حمزة المصطفى - خاص ترك برس

نجحت تركيّا خلال العقد المنصرم بتحقيق حضور واسع في المنطقة العربية، وتنامى دورها في قضايا عربية مركزية مثل القضية الفلسطينية، وكذلك في أزمات عميقة كما يجري في سورية والعراق. تعزى نجاحات السياسة الخارجية التركية في المنطقة إلى مقاربتها التي اعتمدت على استحضار المشتركات الثقافية والحضارية في العلاقة مع الشعوب العربيّة، ورسخت في علاقاتها من خلال مبادئ تقوم على الاحترام المتبادل، والتعاون عبر القنوات الرسمية وليس عبر ميليشيات، أو أحزاب سياسيّة طائفيّة كما هو الحال بالنسبة لدور بعض القوى الإقليمية. كما انعكس وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بتداعيات إيجابية على نظرة العرب تجاه تركيا، إذ نجحت حكومة العدالة والتنمية في نقل العلاقة من مسار العدائية والتوتر إلى مسارات أخرى أكثر تعاونيّة.

لا يخفى على مراقب تصاعد الدور التركيّ بعد انطلاق الربيع العربي، إذ اتخذت تركيا موقفًا سياسيًا مؤيدًا لمعظم الثورات والانتفاضات العربيّة، ورحبت بنتائجها، ومدت يد العون لها. لكن هذا الدور، أثار حفيظة قوى سياسيّة، وشرائح أيدت الاستبداد لأسباب عدة؛ سياسية، طائفية، اقتصادية، مصلحية. وبناء عليه تباينت آراء المواطنين العرب تجاه السياسة الخارجيّة التركيّة بين مؤيد ومعارض. ونظرًا لغياب استطلاعات رأي عام علمية وأكاديمية ترصد نظرة العرب إلى تركيا، سنحاول في هذا المقال الوقوف على نتائج المؤشر العربي لعام 2015، وهو أكبر استطلاع رأي في المنطقة العربية يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنويًا، ويشمل عينة عنقودية منتظمة يبلغ تعدداها نحو 20 ألف شخص، موزعة على 12 بلد عربي.

في تفاصيل النتائج، أفاد 59% من المستجيبين بأنّ السياسة الخارجية التركية في المنطقة العربية كانت بمجملها إيجابية؛ في حين رأى 33% أنّها سياسات سلبية، وهي نسبة كبيرة إذا ما قورنت بنظرة العرب تجاه سياسات دول أخرى؛ إذ كان تقييم السياسات الإيرانية والأمريكية والروسية نحو المنطقة العربية الأكثر سلبية، فقد أفاد 62% من مجمل المستجيبين بأنّ السياسات الإيرانية هي "سلبية أو سلبية إلى حدٍّ ما"، مقابل 28% أفادوا بأنّها "إيجابية أو إيجابية إلى حدٍّ ما". وينطبق الأمر نفسه على تقييم السياسات الأمريكية؛ إذ إنّ نحو ثلثَي الرأي العام العربي قيّم السياسة الأميركية في المنطقة بالسلبية أو سلبية إلى حدٍ ما، مقابل 27% قالوا إنّها "إيجابية أو إيجابية إلى حدٍّ ما". كما قيّم الرأي العام العربي السياسات الروسيّة في المنطقة العربية تقييمًا سلبيًّا؛ إذ إنّ 54% من الرأي العام قالوا إنّ السياسات الروسيّة سلبية أو سلبية إلى حدٍ ما، مقابل 34% قالوا إنّها "إيجابية أو إيجابية إلى حدٍّ ما". ومن المهم الإشارة إلى أنّ هذا التقييم كان قبل بدء روسيا تدخلها العسكري في سورية.

وقد تحسّن تقييم المستجيبين للسياسة الخارجية التركيّة تجاه المنطقة العربية في استطلاع عام 2015 مقارنة مع استطلاع العام الماضي بشكل طفيف وبفارق زيادة نقطتين مئويتين، بالمقابل ارتفعت نسبة الذين قيّموا السياسات التركيّة بصورة سلبية من 25% في عام 2014 إلى 33% في استطلاع عام 2015، ويعود ذلك إلى انخفاض نسبة الذين لم يبدوا رأيًا في العام الماضي بشكل جوهري من 19% إلى 8% في هذا الاستطلاع، وذلك نتيجة لانخفاض ذي دلالة إحصائية في نسبة المستجيبين المصريين والمغربيين والسودانيين الذين لم يبدوا رأيًا في استطلاع المؤشر 2014 تجاه هذا الموضوع؛ إذ انخفضت نسبة المستجيبين المصريين الذين رفضوا الإجابة عن هذا السؤال من 57% في مؤشر 2014 لتصل إلى 22% في هذا الاستطلاع، وكذلك بالنسبة إلى المغربيين بفارق 20 نقطة مئوية، والسودانيين بفارق 10 نقاط مئوية.

قيّمت أغلبيّة المستجيبين في كلّ بلد من البلدان المستطلعة السياسة الخارجية التركيّة تجاه المنطقة العربية بالإيجابية، باستثناء الرأي العام في ثلاثة مجتمعات، هي: مصر، ولبنان، والعراق؛ إذ يرى ثلاثة أرباع المجتمع اللبناني أنّ السياسات التركيّة في المنطقة العربيّة سلبية مقابل 23% أفادوا بأنّها إيجابية. وقيّم نحو ثلثَي (63%) الرأي العام العراقي السياسات التركيّة بصورة سلبية مقابل 33% قيّموها بصورة إيجابية، ويعزى هذا بشكل رئيس إلى الاستقطاب الطائفي، وعدم قدرة المؤشر العربي على الوصول إلى المناطق العربية ذات الأغلبية السنية بسبب سيطرة داعش عليها. في حين أنّ 30% من الرأي العام المصريّ أفادوا بأنّ السياسة الخارجية التركية إيجابية، مقابل نحو نصف المصريين أفادوا بأنّها سلبية، في حين أنّ (22% من المصريين) لم يقرّروا رأيًا تقييميًّا تجاه السياسة التركيّة أو أنّهم رفضوا الإجابة، وهي أعلى نسبة مقارنة مع المستجيبين في المجتمعات المستطلعة الأخرى. مقابل هذه البلدان الثلاث، عبّرت أكثرية المستجيبين أو الكتلة الأكبر في البلدان الأخرى عن إيجابية التقييم، وبنسبٍ تراوح بين 83% إلى 61%، لكلٍّ من السعوديين والفلسطينيين، والتونسيين، والموريتانيين، والمغربيين، والأردنيين، والسودانيين، والكويتيين، والجزائريين. وكانت نسبة الذين قيّموا السياسة الخارجية التركيّة بسلبية في هذه المجتمعات ما بين 32% أعلى نسبة في الجزائر، و11% أقلّ نسبة في المغرب.

التحسن المضطرد في نظرة العرب إلى تركيا ينبع بشكل رئيس من مواقف مبدئية اعتمدتها، ودفعت في بعض الأحيان أثمان لها في علاقاتها مع القوى الدوليّة، لكنه على المدى الطويل يعد مؤشرا على إمكانية بناء علاقات تعاونية راسخة بين تركيا والعالم العربي.

عن الكاتب

حمزة المصطفى

باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس