ترك برس
احتلت التساؤلات المتعلقة بمصادر الطاقة الخاصة بتركيا وبدائلها، المرتبة الأولى من بين التساؤلات المطروحة فيما يتعلق بتركيا، عقب إسقاط الجيش التركي للطائرة الروسية التي اخترقت الأجواء التركية السيادية بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
ويُعزى ذلك إلى حجم الترابط الوثيق بين تركيا وروسيا في مجال الطاقة، حيث تستورد تركيا من روسيا سنويًا 50 مليار مكعب من الغاز الطبيعي، أي ما نسبته 27% من حجم الغاز الطبيعي الروسي الإجمالي، وبذلك تُعتبر تركيا المستورد الثاني للغاز الروسي، بينما تعتبر روسيا المُصدر الأول للغاز الطبيعي لتركيا.
وتكشف صحيفة خبر ترك، في تقريرها "مصادر الطاقة الخاصة بتركيا"، أن تركيا تؤمن حاجتها من الغاز الطبيعي من خلال استيراد ما نسبته 58% من روسيا، و19% من إيران، و 9% من العراق، و9% من الجزائر، و3% من نيجيريا.
وتوضح الصحيفة أن تركيا توفر حاجتها من النفط من خلال استيراد ما نسبته 32% من العراق، و28% من إيران، و15% من المملكة العربية السعودية.
وفي سياق متصل، يشير البروفسور المختص في هندسة المعادن "علي كهريمان"، في مقال بصحيفة "ملييت" بعنوان "استراتيجية تركيا للطاقة"، إلى أن "تركيا توفر حاجتها للطاقة من مصادرها المحلية بنسبة ¼ فقط، بينما تستورد الثلاث أرباع الأخرى من الدول الأخرى مقابل 60 مليار دولار سنويًا، وتشكل مصادر الطاقة الروسية ما نسبته 1/3 من كميات الطاقة المستوردة".
ويتابع كهريمان بالقول: "هذه النسب وغيرها من الإحصاءات الخاصة بمصادر الطاقة المستوردة، تُظهر مدى التبعية التركية للخارج ومدى الخطر "الجيو اقتصادي الاستراتيجي" الذي تعيشه تركيا والذي ظهر جليًا إبان الأزمة الروسية، إذ لوحت بعض التحليلات بإمكانية قطع روسيا لمصادر الطاقة، فدقت القيادة التركية ناقوس الخطر، وبدأت ملهوفة ومُسرعة للبحث عن مصادر بديلة لمصادر الطاقة التي يُستورد ثلثها من روسيا".
وينوه كهريمان إلى أنه في الوقت الحاضر هناك موجة حروب شديدة على مصادر الطاقة، مؤكدًا أنه في ظل هذه الحروب يجب على تركيا أن تؤمن نفسها بشكل حذر جدًا، لأن الإطار العام للحروب والصراعات في وقتنا الحالي، هو إطار جيو اقتصادي بالدرجة الأولى، وهذا ما يجعل تركيا بحاجة ماسة إلى تنويع وتنويع مصادر الطاقة بقدر المستطاع لتقي نفسها من أي تحدي جيو سياسي يكون أحد أطرافه ذو قوة جيو اقتصادية نابعة عن مصادر الطاقة، مثل ما يحدث الآن مع روسيا تمامًا".
ومن جانبه، ألمح موقع "الجزيرة ترك"، في تقريره "الأزمة الروسية التركية"، إلى أن "الأزمة الأخيرة التي واجهتها تركيا مع روسيا جعلتها تضع قضية توفير البدائل وتوفير المصادر المحلية نصب أعينها، لا سيما بعد "تهاون" القيادة التركية في البحث عن بديل لمصادر الطاقة الروسية منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة السورية، حيث كانت تعلم القيادة التركية جيدًا بأن هناك علاقات سياسية وعسكرية حيوية بين سوريا وروسيا، ولا يمكن للأخيرة التفريط في تلك العلاقات مهما كلف الثمن، ولكن القيادة التركية كانت ترى أنه من الممكن إقناع روسيا للتوصل إلى حل سياسي "عقلاني واقعي" مشترك في سوريا، بواسطة استهلاك أكبر نسبة ممكن من الغاز الطبيعي الخاص بها".
ويستطرد "كما أن روسيا أصبحت مرتبطة بشكل وثيق مع تركيا، أصبحت الأخيرة أيضًا مرتبطة بشكل وثيق يصل إلى حدة التبعية والاعتماد شبه الكامل على مصادر الطاقة الروسية، وروسيا تعلم بأن تركيا الآن في حاجة ماسة لمصادر الطاقة الخاصة بها، لذا تمادت في فرض العقوبات الاقتصادية عليها، وما حفز روسيا على فرض المزيد من العقوبات على تركيا، هو إيقانها الشديد بعدم تنوع مصادر الطاقة الخاصة بتركيا".
ويؤكد الخبير الاقتصادي "محيي الدين غوزلار" أنه إلى جانب تنويع مصادر الطاقة وتوسيع كمية المخزون للفائض عن هذه المصادر المستوردة، تركيا بحاجة إلى عملية تنقيب تكنولوجية جادة عن مصادر الطاقة داخل أراضيها السيادية وميائها الإقليمية".
ويعرب غوزلار عن أسفه لعدم توسيع القيادة التركية عمليات البحث بشكل فاعل، موضحًا أن "مساحة تركيا تبلغ 780 ألف كم مربع، وتحدها من جهات عدة أربع بحور، وهذا ما يجعلها ذات احتمال قوي لاحتواء أكثر من مصدر للطاقة، ولكن بينما الولايات المُتحدة الأمريكية تتمكن من استخدام تكنولوجيا تجعلها قادرة على إمكانية التعرف على وجود نفط على مسافة 3 كيلو تحت الأرض، تركيا تستخدم تكنولوجيا تجعلها تتوقع ذلك على مسافة 150 ـ 200 متر فقط، وهذا ما يستدعي استخدام تركيا لأساليب وأدوات بحث أكثر تقدمًا وتطورًا".
ويردف غوزلار حديثه، في مقاله "تركيا ومصادر الطاقة"، بالقول: "هناك كميات ضخمة من مصادر الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي، في حوض الشرق من البحر الأبيض المتوسط. تُقدر قيمة هذه الكميات ب 122 تريليون قدم مكعب، وتقع ضمن المياه الخالصة لتركيا وقبرص التركية، ولكن العائق هنا هو وجود قبرص اليونانية التي تؤكد حقها في استخراج الغاز بشكل مشترك، كما أن إسرائيل تتدعي الحق في استخراج الغاز بشكل مشترك أيضًا. لكن يمكن لتركيا عقد اتفاق مشترك بين الطرفين وتقاسم كميات المخزون، ويجب عليها اتباع الأسلوب اللين في تلك السياسية والابتعاد عن أسلوب التهديد العسكري، من أجل كسب فرصة في استخراج هذه الكميات الهائلة، وبدى واضحا ً أن القيادة التركية تسعى لذلك من خلال إعلانها عن بدء مفاوضات جادة مع الطرف الإسرائيلي تشمل هذا الخصوص".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!