عمار ياسر حمو - مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية
بعد تفجير اسطنبول الإرهابي، الذي وقع في ميدان السلطان أحمد وسط اسطنبول يوم أمس، توجهت الأنظار إلى مسؤولية تنظيم داعش الإرهابي، -المتهم المفترض مسبقاً-، لتصدر بعدها تصريحات رسمية تركية وتحليلات تحمل التنظيم مسؤولية التفجير.
وعقب التفجير الذي راح ضحيته 10 أشخاص معظمهم (ألمان)، وما يقارب 15 جريحاً، قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو “إن منفذ تفجير إسطنبول ، أجنبي ينتمي لتنظيم داعش”، وناشد أوغلو المواطنين “عدم تحميل السوريين مسؤولية وجود منظمات إرهابية من هذا النوع”.
ومن الملفت أن تركيا احتجزت صباح اليوم عدداً من المشتبه بهم في حادثة التفجيرات من بينهم 3 أشخاص روس يشتبه بصلتهم بتنظيم داعش، فيما أبدت روسيا اهتمامها باعتقال 3 من رعاياها مؤكدة على لسان القنصل الروسي العام في تركيا اعتقال 3 روس والعمل على توضيح أسباب اعتقالهم”.
ومن جهة أخرى يبدو أن الفرصة سنحت لإيران لاستخدام ورقة الإرهاب، والتي هي أحد داعميه وفق سياسيين ومحللين ومفكرين، فوجه المتحدث باسم خارجيتها حسين جابر أنصاري “أن هذه العمليات الإرهابية تثبت مرة أخرى، أولوية مكافحة الإرهاب والتطرف، على نحو موحد بين دول المنطقة والعالم، وضرورة المعالجة الفورية للأزمات القائمة بالمنطقة عبر الحلول السياسية ونبذ جميع أشكال التطرف”.
ويأتي توقيت التفجير الإرهابي، متزامناً مع الكلام عن مفاوضات لحل سياسي للثورة السورية، التي حولها نظام الأسد وداعميه كإيران وروسيا إلى (أزمة)، وفي الوقت التي تهتم روسيا بقائمة التصنيف على لوائح الإرهاب، وتسعى أن تضع على تلك القائمة من استطاعت إليه سبيلا من فصائل المعارضة السورية.
كما أن تصريحات إيران، ومن خلفها ربيبها وذراعها العابث في لبنان “حزب الله”، يسعيان إلى إدانة ضمنية لتركيا على مواقفها من الثورة السورية، ومحاولة للتأثير في الرأي العام ليترك بشار الأسد جانباً، رغم فقدانه للشرعية وضلوعه في قتل عشرات الآلاف من الضحايا المناهضين له، ويلتفت إلى ملف محاربة الإرهاب، وعلى رأسه تنظيم داعش، المدعوم من أطراف إقليمية ودولية.
وإن لم يكن هناك دلائل قطعية تشير إلى أن نظام الأسد وإيران وروسيا من تلك الأطراف الداعمة أو الموجهة له بصورة مباشرة، فهي من المستفيدة بصورة كبيرة من سياسته، و لها أيدي خفية توجهه لما يخدم مصالحها.
وهنا كلامنا ليس ضرباً من الخيال، ففي مطلع عام 2015 أعدم تنظيم داعش، اثنين من عناصره، بتهمة أنهما مكلفين من الاستخبارات الروسية بالتجسس على الدولة الإسلامية، وختم التنظيم عام 2015 بقتل روسي من أصول شيشانية، بتهمة الجاسوسية لصالح روسيا، وهذا مؤشر واضح لاختراق روسيا وغيرها من الدول الإقليمية والعالمية لهذا التنظيم، واختراق دول كروسيا أو إيران لقيادة التنظيم يعني التأثير الكبير للدول المخترقة على سياسات التنظيم بما يتناسب مع مصالحها.
فتحركات التنظيم داخل سوريا كانت متلائمة مع سياسات النظام السوري، ومصالح روسيا وإيران في المنطقة، وفي كثير من أعماله العسكرية، لم تكن متلائمة ومتوافقة فحسب، بل كانت أعمالها “بيضة القبان”، التي رجّحت كفة النظام على كفة المعارضة، وما أحداث ريف حلب ومعارك التنظيم والنظام عنا ببعيدة!!
كما أن تفجيرات الضاحية الجنوبية في لبنان، وتفجيرات باريس التي ذاع سيطها، وتفجيرات اسطنبول الأخيرة، ما هي إلا سهاماً تطعن الثورة السورية، وتحاول أن تفقدها شرعيتها، وتضيق الخناق على الشعب السوري.
ويبدو أن نظام الأسد وحلفاءه حققوا بعض أهدافهم التي سعوا إليها، فتوجهت العيون إلى “المدني السوري” أنّى حلّ باعتباره مشروع “شخص إرهابي”، واختلط الأمر على مناهضي “الإرهاب” من عوام الناس في شتى بقاع الأرض، وكذلك الدول، ليدرج “المدني السوري” في أي خطوة دولية أو إقليمية لمحاربة الإرهاب من باب الحيطة والحذر!!.
ففرضت تركيا “التأشيرة” على السوري من أجل الدخول إليها، في حين كانت باباً مفتوحاً لأي سوري إذا أغلقت في وجهه الأبواب، وذهبت عدد من الدول إلى اتخاذ إجراءات مشددة لدخول السوري إلى بلادها.
بالرغم من أن تفجيرات إسطنبول وغيرها من الأعمال الإرهابية، مرفوضة في كل الشرائع والأديان، والقوانين الدولية والمحلية، إلا أن محاربة “الإرهاب” تقتضي ملاحقة داعميه، والمستفيدين من أعماله، فإرهاب داعش جريمة أداتها ليست عبوة ناسفة، وإنما تنظيم داعش هو أداة بيد أجهزة دول توجه “التنظيم” وفقاً لأهدافها ومصالحها، ومجريات الأحداث توحي بأن “داعش” ورقة رابحة بأيدي نظام الأسد، وروسيا، وإيران لتحقيق أهدافهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس