كمال أوزتورك – صحيفة يني شفق

النقاش الحاصل في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على النحو التالي: "إن السنة هم من أسسوا منظمة إجرامية مثل داعش، كما أن طالبان، والقاعدة، والنصرة جميعها كانت منظمات سنية. والدول المدافعة عن هذه المنظمات هي المملكة السعودية، وتركيا، وقطر. والأغلبية الموجودة داخل هذه الدول هم من السنة. إذن ألا توجد منظمة إجرامية أسسها الشيعة؟ لا يوجد. وبناءً على ذلك فإن التهديد الأكبر للمصالح الغربية يأتي من السنة، وبالمقابل فإن الشيعة عصريون ومتحضرون. إلى جانب وجود العلمانيين الأكراد (حزب الاتحاد الديمقراطي). لأن هؤلاء الأشخاص ضد التطرف الديني، ولديهم عقلية حديثة".

أشخاص أقنعوا الغرب بهذا النقاش

أصبح أحد الدبلوماسيين الذي تحدث عن المواضيع التي نوقشت على الطاولة التركية الغربية صديقًا لي. وبناءً على ما قاله فإن أحدهم اقنع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بذلك.

لنرتب بعض هذه المعلومات واحدة تلو الأخرى:

كان رد الرئيس الإيراني روحاني لأحدى الصحف التي سألته عن العسكريين الإيرانيين الذين يقاتلون في سوريا على النحو التالي، "توجد هناك منظمة إرهابية مثل داعش تدمر الآثار، وتقطع رؤوس الناس، وتحول الفتيات الصغيرات إلى جواري، وأنتم لا تزالون تسألون نفس السؤال".

في حين كان رد صلاح الدين دميرطاش عندما ذكرته إحدى الصحف بأن أخاه يقاتل في صفوف حزب العمال الكردستاني على النحو التالي، "نعم، إن أخي يحارب ضد جرائم داعش"، ولم يعارض ذلك.

وفي جملة من الجمل الثلاث التي صرح بها مارك تونر الناطق باسم الولايات المتحدة الأمريكية ذو الشعر المزروع، قال "إن حزب الاتحاد الديمقراطي المؤلف من العلمانيين الأكراد هو حليف لنا".

أما أوروبا التي بدت مثل حبيب ينتظر العناق لسنوات، أخذت الرئيس روحاني بالأحضان، ووقعت معه الاتفاق تلو الاتفاق.

الكاتب الذي أجرى هذا النقاش في تركيا

في الوقت الذي لم يحظَ فيه هذا الموضوع بجدال كبير في تركيا، بدأ أحد الصحفيين ورئيس تحرير سابق خلال الأيام الأخيرة، بالعمل في زاويته على هذا الموضوع بتغطية جدًا خطيرة. من خلال كتابته عن الطريقة التي انهار بها النقاش التركي المدافع عن فكرة الأمة، وكيف تم إنتاج منظمات إرهابية سنية، ولماذا لم يكن الشيعة هكذا أبدًا، والفرق الكبير في جرائم العلمانيين الأكراد.

والغريب أن أحد الكتاب في الإعلام الكردي العراقي نقل هذا الموضوع أيضاً في زاويته، ودعا إلى الابتعاد عن السنة والقيام بتحالف مع الشيعة.

هؤلاء الجاهلون بتفاصيل هذا الموضوع يمكنهم التقامه بسهولة لأنهم ماهرون في الصب.

النقاش الأوروبي الأحدث والأخطر

يقال عندما أصبح رئيس الوزراء البريطاني الأسطورة تشرتشل وزيرًا طلب فورًا البحث عن شخص يعرفه جيدًا بالفرق بين السنة والشيعة. لأن أوروبا تأخذ في الحسبان أننا سنخوض الحروب الطائفية نفسها التي خاضتها على أراضيها على امتداد قرن من الزمن.

يعتقد أن عدد المسلمين الشيعة حاليًا 130 مليون من أصل مليار و300 مليون مسلم. وتعد في الواقع أقلية بمعدل خطير. ولكن مثل أي مجتمع أقلية يكون نشط ومنتج ومرن وماهر للغاية من أجل البقاء على قيد الحياة. وبناءاً على ذلك يوجد تشابه عجيب في الموقف الإيراني والمجتمع اليهودي المؤلف من أقلية دينية  أخرى.

في الواقع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تتحركان مع حدوث صدمة من الاعتداءات الإرهابية التي عاشوها على أراضيهم. وهكذا فإن التحليل المعمق الذي جرى لا يعد نقاشًا، بل مفيد من ناحيتهم فقط من أجل تأجيج وتعميق الصراع في العالم الإسلامي.

في يوم من الأيام كان الشيعة "مجرمون"

في الواقع كان الشيعة مدانين في السابق بالطريقة نفسها. ويبدو أن الجميع نسي الصور والأخبار التي تعرف باستطاعة ملالي إيران أن يكونوا "جاهلين، ومجرمين، وعديمي الرحمة". وقد نشرت في الإعلام الغربي رسوم كاريكاتورية تضع قائد حزب الله ضمن فئة المتوحشين.

وعلى الرغم من خطورة وقسوة كل من إسرائيل وإيران وحزب الله فقد نالوا قبولًا من العالم كله. حتى أن جماعة غولن لم تزعج نفسها ولو قليلًا من أجل تشويه سمعة إيران. وهكذا لا أحد يتفوه بأي كلمة عن إيران حاليًا.

ماذا حصل إذن؟

في أفغانستان ترحم شيعة قزوين على طالبان، في حين لم يتأخر الحوثيون الغامضون في اليمن عن القاعدة. أما في سوريا فإن مجازر وجرائم الميليشيات الشيعية التابعة لحزب الله تنافس داعش ولكنها لم تستدعي أي تساؤل من أحد. حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور المقاتلين الشيعة من لبنان والعراق وإيران واليمن والأفغان والطاجيك وهم يقطعون الرؤوس ويدهسون أسراهم أحياء بالسيارات في سوريا. في حين لا يوجد أي شواهد على صور المدنيين والأطفال الذين قتلهم حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. لماذا لا أحد يشكك في هؤلاء؟

"أي مذهب يرتكب جرائم أكثر؟"

في الواقع إن هذا النقاش حول المذهب المسؤول عن ارتكاب جرائم أكثر سببه هذا الوضع الخطير جداً بالنسبة لنا. كما أنه محاولة لضرب العالم الإسلامي من الناحية الأضعف ومن خط الصدع الأكثر خطورة. ومما لا شك فيه أن عبارات الكره والتصادم والانفصال سوف تزيد من خراب العالم الإسلامي أكثر.

قضى الغرب قبل قرن من الزمن على علم الاجتماع والجغرافيا من خلال خريطة الشرق الأوسط التي رسمها الرحالون العابثون سايكس – بيكو. أما الآن فإن الخريطة سوف تتغير مجددًا، كما أن نقاشات خطيرة جدًا سوف تتسبب في اندلاع الحروب. وأثناء ذلك فإن كلًا من روسيا وإيران ينفذون ذلك بإصبعهم الصغير، دون وعي منهم.

وهكذا ينبغي على تركيا التي تردد دائمًا بأن "الإرهاب، والإرهابي المتدين، والمذهبي، والعرقي لا هوية لهم" أن تدافع عن نقاشات أقوى. ولا بد من القيام بمساعٍ لإحباط هذا النقاش ومجابهته بشدة في كل من العالم الإسلامي والعالم الغربي. لأن شدة لهيب هذا النزاع الطائفي الخطير سوف تصهر الجميع داخله.   

عن الكاتب

كمال أوزتورك

إعلامي صحفي تركي - مخرج إخباري وكاتب - مخرج أفلام وثائقية - مدير عام وكالة الأناضول للأنباء سابقًا