سيفيل نوريفا – صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس
نعم، الأزمة تنفرج وتتحلحل. هذا ما عبرت عنه ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية بكلمات بسيطة ولغة واضحة حين قالت: "إن روسيا ستسعى وتعمل لإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا".
فروسيا تمثل لتركيا سوقا مهما وتجمعها بها نقاط استراتيجية. ولا بد لتركيا من إعادة النظر في دورها وتأثيرها على المنطقة في ضوء معرفتنا لحاجة روسيا لتركيا وأهمية روسيا لتركيا كذلك.
روسيا وبسعيها لحل الأزمة مع تركيا تتقدم بخطوات بطيئة، وسنشهد في الفترة القادمة رفع روسيا شيئا فشيئا للحصار الاقتصادي الذي فرضته على الشركات التركية. رغم أن رفع هذه القيود المفروضة على الشركات التركية يمثل نقطة حساسة ومهمة للروس إلا أن من الواضح أن إزالتها ورفعها ستتم ببطء وعلى فترة من الزمن ولعل مرد ذلك إلى أن بوتين ما زال ينتظر أن يخطو الأتراك بداية نحو الحل، وهذا ما عبر عنه المستشار الإعلامي بيسكوف في بيانه الأخير الذي طعمه ببعض الجمل التي تتجاوز الحد بشراستها وجفافها.
في هذا السياق لا بد لنا من التوقف عند موقف الدولة التركية الأصيل طوال الفترة السابقة، فجواب أردوغان المنمق بالأدب على سلوك بوتين البعيد عن العقلانية والمنطق أحدث تأثيرا في الشارع الروسي ذاته، وقد تناقلته الأفواه وناقشته ولو يسيرا...
الواضح أن الجو الهستيري المشحون الذي صنعته روسيا في الفترة السابقة إضافة إلى الرسائل التي حاولت إيصالها لتركيا ستخف حدتها وستكون أكثر نعومة، فالعلاقات الروسية التركية ستعود إلى سابق عهدها ولو بعد حين ولن يتبقى أثر للأزمة بين البلدين.
حسنا إذا، ما هي الأمور التي علينا الاهتمام بها الآن؟
يجب على تركيا أن تعيد برمجة خطواتها القادمة على نسق "يمكن أن تخرج أزمة مثل هذه في كل حين". فلا يخفى على أحد أن الروس كما الإنجليز يلعبون لعبة السلطة والسيطرة في المناطق النائية من تركيا ودعمهم للتحركات هناك ليس سرا. كما يجب أن لا ننسى ان حملات بوتين الاستراتيجية لا تحقق نجاحات على المدى الطويل وبناء عليه فيمكننا القول إن روسيا ألعوبة بيد الولايات المتحدة تحركها كيفما تشاء.
إن دخول روسيا للمسالة السورية تحت مظلة صراع داعش ووقف الإرهاب وقلبها لموازين القوى في سوريا وتدميرها للتوازن الذي سعت تركيا له وأعطته أهمية قصوى، إنما هو دليل على سياسات بوتين البعيدة كل البعد عن رجاحة العقل وعن المنطق. أضف لذلك ان هناك فائدة أكيدة من إعادة تقدير الأمور ووزنها في ضوء حقيقة أن روسيا تمر في أزمة اقتصادية خانقة.
الصين على سبيل المثال نجحت في تقديرها للوضع الراهن واستغلالها له، ففي حين كان الجميع في حالة صراع مع روسيا كانت الصين تشتري القليل القليل من التراب الروسي ومن الغابات والإحراج وبسطت نفوذها شيئا فشيئا حتى أضحى اليوم ما يقارب النصف منها ملك للصينيين... هذه استراتيجية مهمة كذلك.
أما تركيا فعليها ان تتنبه لوجود أكثر من عشرين مليون مسلم روسي وعليها في الفترة القادمة ان تخطوا خطوات جدية في ضوء ذلك خصوصا ان هذا المجتمع من الروس قد تكون الحصن المنيع ضد أزمات جديدة، فانفراج الأزمة الحالية لا يعني عدم احتمالية نشوب أزمات أكثر جدية وأشد مرارة.
أضف لذلك أن القوقاز ووسط آسيا لا بد أن تكون الهدف التالي لحملات سياسية مختلفة يبدأها الأتراك خصوصا أن اللعبة الروسية الأصلية والعميقة ما زالت تشعرنا بأن وسط آسيا ما زال يشكل هدفا لها. فلا بد لرئيس الجمهورية الكازاخستانية نور سلطان نزارباييف ورئيس الجمهورية الأوزبكي إسلام كريموف التفكير في هذا الأمر، ومن المنطقي جدا أن تفكر وتناقش تركيا هذا الأمر بالمشاركة مع كلا الرئيسيين نزارييف وكريموف، هذا الموضوع من النقاط الحساسة والمهمة من أجل استمرارية هذه الدول ولا بد لـ"شخصيات بارزة وعلى مستوى عال من الذكاء الدولي" أمثال نزاربايف أن تتنبه لهذا الأمر. لا بد لتركيا أن تستوعب أن تحركات روسيا في هذه المنطقة كانت بناء على هذه الأمور والمعطيات ولا بدلها في المقابل من إعادة تقييم الأمور من جديد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس