محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
ربما أوضحت نتيجة المفاوضات الخليجية الأمريكية وقبلها المفاوضات السعودية الأمريكية في أثناء زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة إلى الرياض الموقف الأمريكي من نزاعات الشرق أوسطية والهيمنة الأمريكية على المنطقة.
عند الحديث عن المسألة السورية بالرغم من إعلان أمريكا صيغة توافقية بينها وبين روسيا حول الصيغ المطروحة لحل الأزمة القائمة إلا أنها لا ترغب إطلاقا في أن تحصد روسيا نتائج تدخلاتها في سوريا والذي ربما يؤدي إلى فتح شهية الروس في استغلال هذه المكتسبات للتدخل في شؤون دول أخرى.
إن مواجهة المد الروسي في المنطقة أمريكيا تتطلب بالتأكيد دعم هذه الخطة من قبل دول المنطقة بالدرجة الأساس وخصوصا من الدول التي لها دور مركزي وريادي كالسعودية مع دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وإيران بغية إنشاء شراكة مع بعضها وتحالفات مع دول أخرى مع العمل على إنهاء كل أشكال التنسيق مع الروس في هذه القضية بالذات.
بالنسبة لتركيا فقد تم إنهاء علاقاتها مع روسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية والذي أدى بدوره إلى قطيعة شبه تامة في مسيرة العلاقات التركية الروسية، لأن من المعروف أن الأتراك أكثر المتحررين من الهيمنة الغربية والأمريكية عند محاولة هذه الدول فرض عقوبات تضر بالمصالح التركية، والمثال الإيراني والموقف التركي من العقوبات الدولية عليها هي خير نموذج على ذلك وأيضا من العقوبات الدولية على روسيا سابقا.
وبطبيعة الحال فإن القطيعة هذه المرة والتي أتت من روسيا نفسها التي ربما لم تدرك بدقة نتائج خطواتها هذه.
أما الشيء الذي لا بد من ذكره في هذه القضية فهو أن العلاقات التركية مع مصر وهي دولة مركزية ومؤثرة في المنطقة غير جيدة على الإطلاق وأنه لا أمل من رجوع علاقاتهما إلى شكلها الطبيعي في الوقت الحاضر رغم رغبة العديد من الدول برجوعها إلى سابق عهدها، كما أن العلاقات غير الطبيعية بينهما ليست في مصلحة أمريكا في هذا الظرف الحالي وخصوصا في مسألة تهميش الدور الروسي في المنطقة، إضافة إلى أن بعض الأطراف تذكي هذه القطيعة بين الدولتين.
أما السعودية ودول الخليج العربي والتي تتمتع بعلاقات وتحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة إلا أنها غير متفقة تماما في علاقاتها مع دول المنطقة وخصوصا مع الدول المركزية منها كتركيا وإيران وهذا بالطبع يؤثر تأثيرا سلبيا على قوة ووحدة دول الخليج العربي ومنظمة التعاون الخليجي، وهنا تأتي المطالبات المتكررة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد دول الخليج العربي لغرض تبني مواقف ملزمة لكل دولها سياسيا واقتصاديا وتوحيد رأيها وأهدفها وتطلعاتها في المحافل الدولية.
أما إيران وهي الدولة المركزية المؤثرة في المنطقة والتي لعبت دور شرطي الخليج وكانت عقبة كبيرة أمام تطلعات الاتحاد السوفيتي إلى الوصول إلى المياه الدافئة في عهد الشاه، أصبحت الآن أكثر استعدادا وقدرة على لعب دور مماثل وخصوصا بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها وسيطرتها بالكامل على زمام الأمور السياسية لبعض دول المنطقة كالعراق وسوريا ولبنان ولحد ما في الجزائر، والأهم من هذا وذاك أن إيران التي تخلصت من الغرق في مستنقع العقوبات الاقتصادية الغربية والأمريكية بواسطة الشباك الأمريكية تحديدا، لا زالت عالقة في شباك الصيد الأمريكية تلك، ويبدو ذلك جليا بصورة متتابعة بفرض عقوبات جديدة عليها من قبل الهيئات الأمريكية أو استصدار قرارات قضائية من قبل المحاكم الأمريكية بإدانتها وفرض تعويضات هائلة على أهالي ضحايا الهجمات الإرهابية التي أدينت بها طهران، ولهذا فلا خيار أمام إيران إلا الانصياع إلى توجيهات العم سام من جديد رغبة منها بالتخلص من حبائل الشبكة الأمريكية ولو إلى حين.
أتى قطع العلاقات السعودية مع إيران بعيد الخلافات الروسية الإيرانية حول المسألة السورية وهما الشريكان في دعم الرئيس بشار الأسد ضربة قاصمة تلقتها روسيا المنفردة في دعم بشار الأسد بعد التراجع الكبير لدور إيران في حينها، بسبب ظهور الدور الروسي كدور عدائي لكل دول المنطقة وتطلعاتها وخياراتها.
على إثرها اندفع الروس وبصورة مستعجلة بالتخفيف من التشنج الحاصل بينها وبين معظم الدول العربية في المسألة السورية بالإعلان عن سحب القسم الكبير من قواتها من الأراضي السورية، ومع وصول أولى أسراب الطائرات السعودية إلى قاعدة إنجرليك التركية، غادرت طائرات السوخوي القاصفة الروسية للقواعد السورية إلى قواعدها في روسيا.
إن الإدارة الأمريكية والتي استطاعت أن تحيّد إيران الشريك الاستراتيجي السابق لروسيا، تسعى الآن إلى أن تقوم إيران بدور الشريك الأساسي للولايات المتحدة في سبيل تحقيق مصالح الأمريكيين في المنطقة عبر التهديدات المستمرة لإيران بتقديم مزيد من الملفات الإيرانية على أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحتى في قاعات المحاكم الأمريكية. مع توفر أدنى مستوى من التطابق الأيدلوجي بينهما وخصوصا في المسألة السورية، مع إدراك الإدارة الأمريكية أن الإيرانيين يخشون من هيمنة الروس على سوق إنتاج وتصدير وخطوط الإمداد للغاز الطبيعي، والتي تشترك الدولتان بإنتاجهما.
وبهذا تكون الإدارة الأمريكية قد وظفت دولة مهمة وقوية لغرض رعاية مصالحها وسحبت في الوقت نفسه البساط من تحت أقدام الروس في المنطقة باعتبار أن إيران كانت الدولة الوحيدة الشريكة مع روسيا.
ولغرض إعطاء ضمانات أمريكية إلى الدول العربية من عدم تحول إيران إلى حليف استراتيجي للولايات المتحدة صرح منسق أوباما بعيد زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض واجتماعه مع القادة الخليجيين، بأن الإدارة الأمريكية لا تفرط بحلفائها من أجل شركائها، ولذا فإن إيران بالنسبة إلى أمريكا هو شريك في صفقة ما الآن، وربما هناك شراكات مؤقتة أيضا في المستقبل بينهما في صفقات لاحقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس