ترك برس
رأى الكاتب والخبير في المجال الاقتصادي "عبد الحافظ الصاوي"، أن الصندوق السيادي الذي أعلنت الحكومة التركية عن إنشاءه مؤخرًا، سيعزز دور تركيا على خريطة القوى الاقتصادية الدولية، مشيرًا أن خطوة طرح قانون إنشاء الصندوق تعكس مجموعة من الدلالات على الصعيدين المحلي والدولي.
جاء ذلك في مقال له نشرته الجزيرة نت، حيث قال إنه "في الوقت الذي اهتمت فيه الدوائر المعنية بالشأن التركي بالآثار السلبية على الاقتصاد نتيجة محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو/تموز الماضي، أعلنت تركيا في أغسطس/آب عن مشروع قانون لإنشاء صندوق سيادي، برأسمال أولي قدره 17 مليون دولار، ويُستهدف أن تصل استثماراته لنحو 200 مليار دولار، كما يستهدف أن يضيف الصندوق لنمو الناتج المحلي الإجمالي 1.5% سنويا".
وأوضح الصاوي أن من المعلوم أن تركيا تعدّ منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 من أفضل الدول من حيث معدل النمو الاقتصادي مقارنة بالدول الأوروبية. كما أنها تعافت في وقت سريع من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية، وكذلك من الآثار السلبية للأزمة المالية التي ما زالت تعيشها اقتصادات العديد من الدول الأوروبية.
وبحسب الصاوي، فإن توقيت إعلان تركيا عن الصندوق السيادي يصاحب تأثر حركة السياحة فيها بسبب أحداث التفجيرات التي تشهدها البلاد منذ بداية عام 2016، وكذلك الانقلاب العسكري الفاشل، وأيضا دخول تركيا المعترك السوري بشكل مباشر، من خلال عمليات "درع الفرات" التي تستهدف إبعاد خطر تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل الكردية السورية عن الحدود التركية. وقد صرح وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي بأن بلاده لن تتأثر سلبيا على الصعيد الاقتصادي بعمليات "درع الفرات".
وتابع الخبير الاقتصادي مقاله .. "لقد مهدت تركيا لصعودها إقليميا ودوليا عبر بوابة الاقتصاد من خلال تحولها إلى دولة مانحة، حيث تعد تركيا من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنمائية، بعد الدول الغربية. وقدرت المساعدات الخارجية الإنمائية لتركيا عام 2015 بنحو 3.3 مليارات دولار. وكذلك فتحت تركيا بوابة تقديم العون المالي وأعلنت أن مساعداتها المالية بعيدة عن منهج المؤسسات الدولية، وذلك حسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لـكينيا في يونيو/حزيران الماضي.
ولا شك في أن البوابة الثالثة لتركيا على المحيط الإقليمي والدولي عبر الصندوق السيادي، سيكون لها أثر أكبر في تدعيم علاقاتها الاقتصادية وكذلك القيام بدور على خريطة القوى الاقتصادية الدولية، حيث تستهدف تركيا أن تكون من أكبر عشرة اقتصادات على مستوى العالم بحلول عام 2023. والجدير بالذكر أنه قبل الإعلان عن صندوق تركيا السيادي، كانت هي الدولة الوحيدة من بين دول مجموعة العشرين التي لا تمتلك صندوقا سياديا.
وقوبل إعلان تركيا عن الصندوق السيادي باعتراضات من بينها: أن تركيا لديها عجز بموازنتها العامة، ومشكلة في المدخرات، فكيف تدفع بأموالها إلى الخارج ولديها هذه المشكلة؟ والحقيقة أن هذا الأمر مردود، حيث إن هناك العديد من الدول التي لديها عجز بالموازنة وتمتلك صناديق سيادية. فعلى سبيل المثال لا الحصر السعودية لديها عجز بالموازنة يصل إلى 20%، وتمتلك واحدا من أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم. كما أن روسيا تعاني من عجز بالموازنة وتراجع باحتياطياتها من النقد الأجنبي بشكل ملحوظ منذ فرض العقوبات الاقتصادية عليها، ومع ذلك لديها صندوق السيادي.
وحسب بيانات البنك الدولي فإن الدين الحكومي لتركيا يمثل 38% من الناتج المحلي، وحتى في ظل احتمالات التشاؤم التي تبنتها وكالة "موديز" لتخفيض التصنيف الائتماني لتركيا خلال الأسابيع الماضية، فإن توقعات "موديز" تشير إلى أن هذه النسبة ستصل نهاية عام 2016 إلى 39.1%. وهي معدلات آمنة وفق المعايير الأوروبية التي تجعل الحد المسموح به لنسبة الدين العام إلى الناتج 60%.
ومع مطلع الألفية الثالثة وبروز دور الدول الصاعدة في المجال الاقتصادي العالمي، سواء فيما يتعلق بحجم الصادرات أو الاستثمارات الدولية، أعلنت أميركا وأوروبا عن مخاوفها من أنشطة الصناديق السيادية، وأن لها أهدافا سياسية أكثر منها اقتصادية، وبخاصة الصناديق السيادية لكل من روسيا والصين، في حين أثنت أميركا وأوروبا على توجه الصناديق السيادية لدول الخليج لقصر نشاطها على المستهدفات الاقتصادية.
وتقدر ثروة الصناديق السيادية الكبرى في العالم بنحو 4.7 تريليونات دولار، بينها نحو 1.5 تريليون دولار تمتلكه ثلاثة صناديق صينية، وهو ما يعادل 32% من إجمالي قيمة الصناديق السيادية الكبرى، وذلك بدون ضم صندوق هونغ كونغ الذي يملك ثروة تقدر بنحو 400 مليار دولار. أما باقي الصناديق السيادية الكبرى فهي مملوكة لكل من (النرويج 873 مليار دولار، أبوظبي 773 مليار دولار، الكويت 592 مليار دولار، سنغافورة 344 مليار دولار، قطر 256 مليار دولار).
إن خطوة طرح قانون إنشاء الصندوق السيادي التركي، تعكس مجموعة من الدلالات على الصعيدين المحلي والدولي، ومن هذه الدلالات ما يلي:
بث الثقة في مقدرات الاقتصاد التركي، حيث اهتمت الحكومة التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة بتوجيه مجموعة من الرسائل إلى المستثمرين المحليين والدوليين بقدرة البلاد على تجاوز المشكلات التي تسببت فيها محاولة الانقلاب على الصعيد الاقتصادي، وأن ما اتخذ من خطوات وإجراءات تجاه المؤسسات المالية للكيان الموازي، لا يؤثر على مناخ الاستثمار بتركيا، بدليل أن تركيا لديها ما تقدمه من مشاركة في الاستثمارات العالمية عبر الصندوق السيادي.
الرقم المعلن لموازنة الصندوق السيادي التركي يعد شديد الضآلة مقارنة بما ذكرناه من ثروات الصناديق السيادية الأخرى، ولكن لعلها الخبرة التركية التي تريد أن تلج هذا المجال بخطوات محسوبة، وبخاصة في ظل مناخ الاقتصاد العالمي الذي يعاني من ركود بشكل كبير، وبالتالي لا بد من خطوات متدرجة للاستثمارات التركية بالخارج تراعي الظروف الاقتصادية العالمية.
الرسالة التي أرادت أن ترسلها تركيا إلى أوروبا وأميركا عقب تلويحهما باحتمالات فرض عقوبات اقتصادية على تركيا (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بسبب تصرفها تجاه مدبري الانقلاب، هي أن تركيا لديها القدرة على الحضور الدولي والإقليمي، وأن علاقاتها الاقتصادية الخارجية تمكنها من التوجه شرقا، وأن هناك مساحات بديلة لخلق المصالح الاقتصادية.
يفهم من توقيت الإعلان عن الصندوق السيادي أيضا أن الاقتصاد التركي رغم اهتمامه بأداء نشاطي الاستثمار الأجنبي والسياحة، فإنه لن يكون أسيرا لهما، وأن لدى الدولة التركية ملاءة مالية تمكنها من إدارة محفظة مالية تدر عليها ما قد يعوضها عن أي نقص من هذه المصادر الخارجية.
معظم الصناديق السيادية الكبرى تقع فريسة التوظيف في السوقين الأميركي والغربي، سواء في مجال السندات الحكومية، أو أسواق الأوراق المالية، أو العقارات، أو الذهب، في حين تبقى مجالات التكنولوجيا ومشروعات القيمة المضافة العالية حكرا على الشركات المتعددة الجنسيات، التي تؤول ملكية غالبيتها لأميركا والغرب.
لذلك تقع هذه الصناديق تحت سيطرة وتوجهات الاقتصادات الأميركية والغربية، من حيث العائد والقيمة. وبقدر ما تمثل ثروة هذه الصناديق نقطة قوة لمالكيها، تمثل ورقة ضغط عليهم لاعتبارات السياسات النقدية والمالية لأميركا والدول الغربية الأخرى، ولغلبة توجه هذه الاستثمارات لمجالات الاستثمارات غير المباشرة.
وسيكون التحدي أمام الصندوق السيادي التركي أن يختلف عن أداء تلك الصناديق من حيث التوجه للاستثمار في الدول النامية، وفي مجال الاستثمارات المباشرة على وجه التحديد، وبما يخدم مشروعات التنمية في تلك البلدان. إن رأس المال جبان ويهدف بالدرجة الأولى لتحقيق الربح، ولكن يمكن للصندوق التركي أن يحقق هذه المزايا في الاستثمار في متطلبات التنمية بالدول النامية، عبر آلية الشراكة، وليس عبر آلية المديونية أو الاستثمارات غير المباشرة التي تكبد الدول النامية خسائر كبيرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!