متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
حتى قبل عامين كان يُستشهد بالعلاقات العسكرية الراسخة بين الولايات المتحدة وتركيا على أنها نموذج في الصناعات الدفاعية، والتدريب العسكري، والمناورات، وعملية دعم السلام العالمي، والنضال العالمي ضد الإرهاب، وبعثات حلف شمال الأطلسي، والعمليات المشتركة في أفغانستان. كان ذلك كله علامات على مستوى عال من التعاون والعمل المشترك بين الجيش الأمريكي والجيش التركي.
في تلك الأيام الخوالي، أنفقت مليارات الدولارات على المشروعات الدفاعية بين البلدين، على الرغم من السقطات الصغيرة. وبتمويل من البرنامج الدولي للتعليم والتدريب العسكري الأمريكي (IMET) توجه المئات من الضباط الأتراك للتدريب في الولايات المتحدة. وفي كل عام كان الجانبان ينفذان تدريبات ثائية أو متعددة الأطراف ومناورات، ورتبت لقاءات قمة عسكرية رفيعة المستوى، حتى أن الجانبين كانا يمنحان بعضهما بعضا الميداليات للخدمة المتميزة.
يشبه النموذج التقليدي للعلاقات العسكرية الأمريكية التركية نوعا من " السياسة العليا" التي شكلتها هيئة الأركان العاملة التركية ونظيرتها الأمريكية وراء الأبواب المغلقة، حيث إن الآليات الاجتماعية والمدنيين المنتخبين في تركيا لم يكن لديهم الكثير ليقولوه في هذا الصدد. كانت العلاقات العسكرية أيضا نقطة ارتكاز لعلاقات تركيا التي لا يجوز مسها بكتلة الأمن الغربي، الأمر الذي أثر تاثيرا مباشرا في خيارات السياسة الخارجية في أنقرة.
واليوم، يبدو أن هذا النموذج التقليدي يذبل، كما يمكن للمرء أن يشعر بسهولة بالرياح الباردة التي تهب ضد العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا على أرض الواقع، وعلى الصعيدين الدبلوماسي والاستراتيجي.
يشير علي بلجين فارلين، وهو كولونيل متقاعد، وأستاذ مساعد للعلاقات الدولية في جامعة إسينيورت في إسطنبول، إلى الديناميكية المجتمعية التي بدأت تؤثر في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا، ولاسيما بعد محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو. وقال فارلين للمونيتور إن عدم ثقة الشعب التركي بالولايات المتحدة قد تجاوز الغضب الصريح "تجاوبت القطاعات العلمانية في تركيا مع مشروعات الشرق الأوسط الكبير والإسلام المعتدل التي شجعتها الولايات المتحدة في العقد الأول من القرن الحالي. وبعد محاولة الانقلاب العسكري في 15 تموز بدأت الدوائر المحافظة تعتقد أن الولايات المتحدة خططت للانقلاب، أو منعت دعمها للحكومة ضد الانقلاب... والنتيجة النهائية هي خسارة تعاطف غالبية الاتراك. إن محاولة انقلاب 15 تموز التي دبرها أتباع فتح الله غولن، والعملية الجارية لتسليمه تُنمي عدم الثقة بالولايات المتحدة".
وقال فارلين إنه بسبب الضغط الشعبي لا يستطيع الجيش التركي الدخول في علاقات وثيقة مع الجيش الأمريكي بعد الآن، حتى لو أراد ذلك. وأضاف أنه ما لم يُسلم فتح الله غولن، ويقدم إلى المحاكمة في تركيا، فإن الضغط الذي يشعر به الجيش التركي في علاقته بالجيش الأمريكي لن تخف حدته.
ويشير أوغور غونغور، الكولونيل المتقاعد وأستاذ العلاقات الدولية، إلى تعاظم قوة الحكومة في العلاقات المدنية العسكرية، وقال "في الوقت الراهن السياسيون المدنيون في أنقرة هم الذين يرسمون حدود العلاقات الثنائية بين الجيش التركي والجيش الأمريكي، وتعاونهما في هذا المجال".
يتفق الجنرال المتقاعد أحمد يافوز مع رأي غونغور، ويعتقد أنه من المرجح أن تحافظ الولايات المتحدة في المستقبل على العلاقة مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي تنظر إليها على أنها شريك موثوق به في الحرب على الدولة الإسلامية. كما يعتقد يافوز أيضا أن الولايات المتحدة تعتزم تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعد امتدادا لحزب العمال الكردستاني في سوريا؛بهدف تكرار نموذج حكومة إقليم كردستان العراق. لكن واشنطن تعرف أيضا أنها تحتاج إلى دعم الجيش التركي، وفي المقام الأول إلى قاعدته في إنجيرليك وديار بكر في حربها ضد تنظيم داعش.
طرحت مصادر مقربة من السفارة الامريكية في أنقرة طلبت عدم الكشف عن هويتها، الضعف الملموس في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا على أنه في المقام الأول قضية بنيوية وليست نتيجة القضايا اليومية، مثل التطورات في شمال سوريا، ووضع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي، أو تسليم فتح الله غولن. وقال مصدر أمريكي في أنقرة للمونيتور "إن التغييرات اليومية المستمرة في الموقف التركي، والأسلوب الذي تأتي به أنقرة بالأعذار لرفض البدائل التي نقدمها، يجعل تركيا غير متوقعة، وغامضة أحيانا. وهذا الغموض يجعل من الصعب بالنسبة لنا وضع بنية قوية لعلاقاتنا العسكرية".
وقال مصدر أمريكي آخر طلب أيضا عدم الكشف عن هويته،" إن التحول في العلاقات المدنية العسكرية في تركيا الذي يمنح الآن دورا أكثر بروزا للمدنيين المنتخبين قد سبب مشاكل للولايات المتحدة في تحديد المحاورين المناسبين في أنقرة وفي الجيش. وأضاف المصدر "في الماضي كان لدينا نظير واحد فقط هو رئيس الأركان، لكننا الآن لا نعرف مع من يجب أن نتعامل. هل نتعامل مع رئيس الأركان أم وزير الدفاع، أم وزير الخارجية، أم مع الرئاسة مباشرة؟".
قال مصدر في المؤسسة الأمنية التركية للمونيتور إن المشكلة نفسها موجودة على الجانب الأمريكي. في الماضي كان الأتراك يعرفون عموما مع من يتحدثون في العلاقات العسكرية، لكن الآن صار الأمر صعبا حقا. في الأيام الخوالي كنا ننسق قضايا حلف الناتو مع القيادة الأمريكية في أوروبا، وننسق مسائل العراق مع القيادة المركزية الأمريكية، لكن اليوم في سوريا، على سبيل المثال، لديك القيادة الأوروبية الأمريكية، والقيادة المركزية الأمريكية، والبنتاغون، ووكالة الاستخبارات المركزية وغيرها. وهذا التركيب يعقد قضايا التنسيق بين البلدين، ويخلق سوء تفاهم لا لزوم له".
وقال مصدر أمريكي آخر "إن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى الحصول على إذن تركيا للخطوات التي ستتخذها ضد داعش. وقد وفرت وحدات حماية الشعب الكردي الأمن لقوات التحالف الدولي ضد داعش، وأثبتت أنها أفضل حليف ضد الإرهاب. ما نزال غير قادرين على فهم نوايا أنقرة، والهدف النهائي هو مكافحة داعش. وهذا هو أحد أسباب غياب الشفافية، وفقدان الثقة المؤسساتية بين البلدين".
وتشير مصادر أمريكية إلى أنه عندما تصبح الحكومة المدنية صاحبة اليد العليا، فإن الروايات العاطفية للاستهلاك السياسي الداخلي تأخذ مكان الصدارة بدلا من التفكير العقلاني. وتنوه المصادر الأمريكية إلى أن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالاستياء من استخدام مصطلحات، مثل "التملق" و"الخيانة" في العلاقات العسكرية بين البلدين. هنا لا بد أن يأخذ المرء في الحسبان شكوك أنقرة العميقة حول ما إذا كانت علاقة الولايات المتحدة بحزب الاتحاد الديمقراطي على المدى القصير، ومصلحة موجهة، وهل هي علاقة عسكرية بحتة أو علاقة استراتيجية طويلة الأجل ستكون لها تداعيات سياسية.
وقال مصدر تركي للمونيتور شريطة عدم الكشف عن اسمه "أعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال حائرة بشأن علاقتها بحزب الاتحاد الديمقراطي. وجهات نظر مسؤولي الخارجية الأمريكية الذين يتحددثون معنا في أنقرة لا تتناغم مع الإشارات التي نتلقاها من القيادة المركزية الأمريكية والكونغرس".
باختصار، هناك نموذج تحول كبير في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا، ولكن يبدو أنه لا الولايات المتحدة ولا تركيا على معرفة بذلك. الديناميات التالية تميز التحول:
* هذا النموذج أكثر تعقيدا من ذي قبل، مع العديد من الجهات الفاعلة. وهذا يسبب البلبلة والمشاكل في تحديد المُحاور المناسب.
* التأثير الحاسم القاطع للحكومة المدنية، والضغط الشعبي على الجيش التركي آخذ في الازدياد. ويبدو أن واشنطن لديها مشاكل مع هذا التغير.
* تميل أنقرة إلى استغلال هذه العلاقة استغلالا مفرطا في الروتين اليومي للسياسة الداخلية.
* رفض أنقرة المستمر لمقترحات الولايات المتحدة، وامتناعها عن النظر إلى نماذج وحلول يزعج واشنطن.
* لم يعد مجرد الإشارات إلى التعاون كافيا. وعندما لا يلاحظ الطرفان الاختلافات بين ما يقال وما يفعل في الميدان، تصير أزمة الثقة لا مفر منها.
* لما تزل واشنطن تريح أنقرة بشأن حزب الاتحاد الديمقراطي، في حين لم تقنع أنقرة واشنطن أنها تعطي الأولوية لقتال داعش.
وأخيرا، فبسبب نسيان أنقرة وواشنطن لهذه التغييرات الهائلة، فلا توجد آلية مشتركة متصورة لإدارة النموذج الجديد وتنسيقه. وهذا يعني بطبيعة الحال، المزيد من الأزمات، والمزيد من الارتباك والغموض، والأسوأ من ذلك تفسخ الثقة في العلاقات الأمريكية التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس