نهاد زيبكجي - دورية السياسة التركية - ترجمة وتحرير ترك برس 

في أعقاب الخامس عشر من يوليو تموز واجهت أمتنا واقتصادنا اختبارا خطيرا، لكن تروس الاقتصاد التركي استمرت في الدوران دون انقطاع. فتحت أسواق الاسهم في إسطنبول ومارست عملها بشكل طبيعي يوم الاثنين ال18 من يوليو عقب الأحداث مباشرة. لم يؤجل مجلس سياسيات البنك المركزي التركي أيا من قراراته، بل على العكس من ذلك فقد واصل سياسة تخفيض سعر الفائدة. استجابت الاسواق استجابة إيجابية لهذا القرار، واتخذت الاحتياطات اللازمة.

فقدت الليرة أقل قيمة يمكن أن تتوقعها الوكالات الدولية. أظهر مواططنونا ثقتهم في بلدهم بداية من أول ليلة، فلم يكن هناك سحب كبير للودائع أو طلب غير عادي للحصول على الأرصدة. عندما تعرض الصورة كلها فإن هذه التطورات تثبت أن اقتصادنا، مثل ديمقراطيتنا، مبني على أسس متينة جدا.

قدمت للمستثمرين الأجانب الحاليين والمحتملين تقارير مفصلة ومنتظمة حتى في ظل هذه الظروف. في الربع الأول من عام 2016 كانت تركيا من بين الدول الأسرع نموا في منظمة التعاون والتنمية الأوروبية بمعدل نمو 4.8%، وأعلم المستثمرون أنه من المتوقع أن يستمر هذا الأداء طوال العام في تركيا.

واصل الاقتصاد التركي مساره في النمو القوي والمستقر مع الاستمرار في خفض العجز في الحساب الجاري في عام 2016، بعد أن تراجع العجز بنسبة 26.1% في عام 2015. انخفض عجز الحساب الجاري لدينا  بنسبة 13% ليصل إلى 19.1 مليار دولار في المدة من يناير كانون الثاني إلى يونيو/ حزيران. ولاستمرار النمو في تركيا تأثير إيجابي على سوق العمل، حيث وصل معدل البطالة لدينا إلى 9.4% في مايو/ أيار هذا العام، وهو ثاني أقل معدل خلال الشهور الاثني عشر الماضية.

لا تزال تركيا مكانا جذابا للاستثمار، ولن تختل الإصلاحات والمشروعات التي ننفذها لجعل تركيا مكانا أفضل للاستثمار. في الواقع، سوف نعمل بجد أكبر لتعزيز اقتصادنا بفضل تضامن من تظاهروا ضد الانقلاب المتآمرين، وستنفذ هذه الإصلاحات والمشروعات بسرعة أكبر. إن تركيزنا في هذه الجهود كلها هو إعطاء دفعة جديدة في مجال الصادرات؛ ولذلك سوف نحشد جميع قواتنا لدعم المستثمرين والمنتجين وأصحاب الأعمال والمصدرين، مثلما فعلنا في الماضي تماما.

لكن تركيا ليس لديها صندوقا مالي أو مورد مماثل لتحقيق هدفها في أن تصير إحدى أكبر الاقتصاديات في العالم، وهو الأمر الذي يشكل عائقا جديا، ولذلك أنشئت شركة صندوق الأصول التركي المساهمة في 26 أغسطس/ آب للتغلب على الصعوبات في هذا الصدد. هذا الصندوق لا يقتصر على تيسير تمويل المشاريع الاستثمارية والاستراتيجية في بلادنا، بل سيمنح العمق لأسواق رأس المال لدينا. صندوق الأصول هو وسيلة بالغة الأهمية واستراتيجية للاستفادة من إمكانية أن تمتلك تركيا دخلا على المدى الطويل، لكنها لم تتمكن من تفعيلة حتى الآن. سينظم الصندوق بناء على أمثلة مماثلة في جميع أنحاء العالم. وبوصف هذا الصندوق أداة مهمة للسياسة لخارجية، فسوف يمنح تركيا صوتا أكبر ومزيدا من القدرة على المناورة في الساحة الدولية... وبدلا من الذهاب إلى بلدان أخرى ومؤسسات التمويل والوكالات وطلب تمويلها للمشاريع المشتركة التي قمنا بها في دول أخرى، فسوف نستخدم رأس مال الصندوق في تنفيذ المشاريع التي نراها استراتيجية.

يجب علينا الاستفادة الكاملة من موقع تركيا في هذا الصدد. وكما قال الفيلسوف الشهير ابن خلدون "الجغرافيا مصيرنا" يجب أن ننظر بعناية إلى ما يعنيه هذا المصير بالنسبة لنا. بعض الدول في أفريقيا والشرق الأوسط  التي نتقاسم معها تاريخا طويلا، تشكل أيضا أسواقنا التقليدية . ينفذ متعهدونا كثيرا من المشاريع في هذه الأسواق، كما يمكن لمصدرينا أن يكونوا في الصدارة لهذه الأسواق. وقد حققت شركاتنا بعض الإنجازات من حيث المشاريع الاستثمارية والمقاولات. لكننا يجب أن نكون واضحين بالنسبة لشئ واحد، فبعض الدول التي تعد أسواقا تقليدية بالنسبة لنا تنظر إليها المؤسسات المالية الدولية على أنها محفوفة بالمخاطر، ولذلك فإن طلبات التمويل التي تقدمها شركاتنا للاستثمار أو للصادرات تأتي باسعار مرتفعة للغاية. وسوف يقدم صندوق الأصول الدعم لتسهيل عمل هذه الشركات.

من بين الاشياء المهمة التي قمنا بها مؤخرا إصدار نظام الحوافز الجديد الذي سيكون النظام الذي يساعد على استخدام الموارد العامة استخداما أكثر كفاءة مع إرضاء المستثمرين وتسريع الاسثمارات، ما يجعل من الممكن تحديد الاحتياجات بدقة على أساس المشاريع الاستثمارية، وتوفير هذه الاحتياجات مباشرة. سيلبي النظام الجديد احتياجات بلادنا الحالية والمستقبلية، ويضمن التزود بالإمدادات، ويحد من التبعية الأجنبية، ويساعد على تحقيق التحول التكنولوجي لدينا بالاستثمارات في المشروعات المبتكرة  ذات القيمة المضافة، والبحث والتنمية المكثفة.

تثبت هذه التطورات كلها أن اقتصادنا يسير على مسار جيد. ومن الواضح أن هناك جوانب في اقتصادنا كنا نتمنى أن تكون أفضل، وسنواصل السعي لتحسين هذه الجوانب. نأمل أن نرى الاقتصاد التركي في المستقبل ينمو نموا أسرع بكثير، ويوظف عددا كبيرا من الناس بفضل تنفيذ حزم الإصلاح.

وعلاوة على ذلك، فإن وزارة الاقتصاد تنسف عددا من الزيارات إلى 26 بلدا من أوروبا والشرق الأقصى والخليج العربي وأمريكا. ومن المتوقع أن تستمر هذه الزيارات شهرين. تهدف هذه الزيارات إلى تقييم علاقاتنا الاقتصادية والتجارية الثنائية مع الشركاء الرائدين والمستثمرين في تركيا. وخلال هذه الزيارات سنشرح جوانب الحوافز الاستثمارية الجديدة، وفرص الاستثمار،وممارسة الأعمال التجارية في تركيا، وسنوجه رسالة بأن اقتصادنا يقف قويا في أعقاب الانقلاب الساقط في الخامس عشر من يوليو/ تموز.

يدرك قطاع الأعمال في البلدان التي سنزورها جيدا الأداء الاقتصادي في تركيا في الآونة الأخيرة، ويريد معرفة المزيد عن الخطوات التي ستتخذ لتحسين مناخ الاستثمارات في بلادنا. لن نخبرهم فقط عن سوقنا المحلي المكون من 79 مليون شخص، بل سنطلعهم أيضا على تجربتنا في مع دول المنطقة التي نطلق عليها " جغرافيتنا الثقافية". وعندما نشرح هذه الأمور، نرى أن الأسئلة حول مستقبل بلدنا تختفي الواحدة تلو الأخرى، وأن مزيدا من الشركات تطلب معلومات أكثر تفصيلا عن الاستثمار في تركيا.

وفي الختام أقول إن الهجوم الغادر في ال15 من يوليو الذي هدد مستقبل بلدنا قد دُحر؛ لأننا أمة نحينا خلافاتنا العقائدية والفلسفية وآراءنا السياسية، ووقفنا صفا واحدا. وانطلاقا من ذلك سيمون مستقبل بلدنا الاقتصادي أكثر إشراقا، وستمضي تركيا بثقة قدما إلى الأمام نحو أهدافها في 2023 . لدي ثقة مطلقة في أن كل شريحة من شرائح المجتمع التركي بالدور الذي ينهض به سيتصرف بمسؤولية، ويبذل قصارى جهده من أجل مستقبل بلدنا.

عن الكاتب

نهاد زيبكجي

وزير الاقتصاد التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس