ترك برس
رأى الباحث في المركز العربي في الدوحة، أسامة أبو ارشيد، أن الانتقادات الأميركية لتركيا بخصوص الإجراءات التي اتخذتها عقب فشل المحاولة الانقلابية "غير شرعية"، مشيرًا إلى وجود أزمة جيوسياسية كبيرة بين أنقرة وواشنطن بسبب سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالنسبة لتركيا خاصة والشرق الأوسط عامة.
جاء ذلك خلال مشاركته في برنامج "من واشنطن" على قناة الجزيرة القطرية، والذي ناقش موضوع تسليم زعيم منظمة الكيان الموازي "فتح الله غولن" لأنقرة على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، وتساءل: هل تستجيب واشنطن لضغوط أنقرة؟ أم أن مقاومة تلك الضغوط مرشحة لتعكير العلاقات الإستراتيجية بين العاصمتين؟
وقال أبو ارشيد إن الولايات المتحدة نفسها قامت -وبشكل غير قانوني- باعتقالات احترازية عقب أحداث 11 سبتمبر، كما أنها ما تزال حتى اليوم تحتجز العشرات في غوانتانامو رغم صدور أحكام ببراءتهم منذ سنوات، وإذا سألتهم عن الأمر يبررون بأنه احتراز من عودة هؤلاء للقتال ضد الولايات المتحدة، إذن ما الذي فعلته تركيا ولم تفعله الولايات المتحدة على هذا الصعيد؟
يضيف أبو ارشيد "في الحقيقة الأمر لا يتعلق بتسليم غولن نفسه، بقدر ما يشير إلى أزمة جيوسياسية كبيرة بين تركيا والولايات المتحدة بسبب سياسات أوباما بالنسبة لتركيا خاصة والشرق الأوسط عامة؛ ففي الأولى كان الموقف الأميركي من محاولة الانقلاب مريباً وغامضاً، فقد خرج نائب الرئيس جو بايدن وقال إن الولايات المتحدة تراقب ما يحصل، كما وصفت السفارة الأميركية في إسطنبول ما حصل تلك الليلة بأنه انتفاضة.
وتابع "أما في ما يخص الشرق الأوسط فإن الولايات المتحدة تدعم خصوم تركيا من الأكراد في سوريا، وتسمح لهم بتجاوز الخطوط الحمراء التركية، وتركيا تدفع ثمن سياسة الولايات المتحدة بشكل مباشر على حدودها وضمن أراضيها، دون أي اكتراث أميركي لمصالحها"، وفقًا للجزيرة نت.
لكن من جهة أخرى انتقد أبو ارشيد الأداء التركي في مسألة غولن، وقال "التقيت قيادات تركية قبل فترة، ونصحتهم بأن يستشيروا مستشارين قانونيين أميركيين في ما يخص الإجراءات التي يجب أن يتخذونها بخصوص قضية غولن، فالبيئة القانونية هنا في الولايات المتحدة مختلفة عن البيئة التركية، بيد أنهم لا يقدرون هذا الأمر".
بدوره، رأى المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية نبيل خوري أن طلب تركيا غير منطقي، وأن "المقارنة بين القوانين التركية والأميركية غير منطقية، خاصة في هذه الفترة التي يشهد فيها سلوك السلطات التركية الكثير من الانتهاكات عقب محاولة الانقلاب الفاشلة".
ويوضح خوري أنه "من غير المنطقي أن يطلب وزير العدل التركي من الولايات المتحدة تسليم غولن وفق الطريقة التركية؛ ففي الولايات المتحدة لا يستطيع أي مسؤول تسليم أي من المقيمين على أراضيه من تلقاء نفسه كما يحدث في تركيا حيث تطلق صلاحيات المسؤولين في كثير من الأمور، الأمر يتطلب سياقاً قضائياً في الولايات المتحدة".
وكان الوزير التركي بكير بوزداغ أشار خلال زيارته لواشنطن للمطالبة بغولن إلى أن ما يمثله أسامة بن لادن للولايات المتحدة هو بالضبط ما يمثله فتح الله غولن لتركيا. لكن نبيل خوري اعترض على هذا التوصيف بالقول "في حالة بن لادن تمت مهاجمة أهداف مدنية بشكل مباشر ومقصود، وسقطت أبراج التجارة العالمية وقتل آلاف المدنيين، وتم التعرف على المجرمين بشكل مؤكد".
وأضاف نبيل خوري: "لقد خرج بن لادن نفسه وتبنى العملية، أما في حالة غولن فالأمر مختلف؛ إذ لا توجد بين أيدي القضاء الأميركي أدلة دامغة على مشاركته في الانقلاب، كما أن غولن نفسه أنكر مشاركته فيه، على عكس بن لادن الذي تباهى بما فعل".
وبشأن مستقبل العلاقات الأميركية التركية بعد مغادرة الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض، توقع خوري أن "تغير الإدارة الجديدة سياستها تجاه تركيا، لكن ذلك قد يعرقل التقارب التركي-الروسي الذي تطوّر مؤخراً، لا سيما إذا كانت هيلاري كلينتون هي من ستصل للرئاسة".
وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف يوليو/تموز الماضي، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش تتبع منظمة "فتح الله غولن"، وحاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية؛ إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن؛ ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب، وساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.
جدير بالذكر أن عناصر منظمة "فتح الله غولن" قاموا منذ أعوام طويلة بالتغلغل في أجهزة الدولة، لا سيما في الشرطة والقضاء والجيش والمؤسسات التعليمية؛ بهدف السيطرة على مفاصل الدولة، الأمر الذي برز بشكل واضح من خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة. ويقيم غولن في الولايات المتحدة منذ عام 1999، وتطالب تركيا بتسليمه، من أجل المثول أمام العدالة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!