لوسيا إل أسري - الكونفدنسيال - ترجمة وتحرير ترك برس
على الرغم من السرية التي تتسم بها منظمة فتح الله غولن، فقد تم مؤخرا الكشف على وجود خلية تابعة لهذه المنظمة في إسبانيا، رغم أن تحركاتها ظلت محدودة في هذه البلاد.
وقال تيميرخون تيميرزودا ناظري، العضو في هذه المنظمة التي يديرها فتح الله غولن، إن "من خاصيات المنظمات في العالم هو معرفة ووعي الأعضاء بأنهم جزء من هذه المنظمة، لكن داخل هذه الجماعة الأمر مختلف تماما". كما يؤكد ذلك واصفا عملية الانخراط المعقدة داخل الجماعة بأنه "ليست هنالك منافذ أو أبواب لدخول هذا التنظيم أو الخروج منه، مما يجعل من المشاركة فيه أو الانضمام إليه يتم في لحظة من الزمن".
ويدير هذا التنظيم المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة رجل الدين فتح الله غولن، الذي كان يجمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحالف قوي تواصل إلى نهاية سنة 2013. وكان السبب وراء نهاية هذا التحالف هو تورط فتح الله غولن في الوقوف وراء قضايا فساد تؤثر على الجهاز التنفيذي.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد يشبهون هذه الجماعة بأنها طائفة، تتشابه إلى حد ما مع نظيرتها الكاثوليكية. وفي هذا السياق يقول الباحث المختص في الشأن التركي، إيمانول أورتيجا، إن "جماعة غولن هي متطابقة تقريبا مع الأوبوس داي، وهي مؤسسة تابعة للكنيسة الكاثوليكية، خاصة من ناحية الهيكل التنظيمي".
ومنذ وقت طويل، وصلت جماعة غولن إلى إسبانيا في بداية الأمر عبر التغلغل في وسائل الإعلام، والجامعات، وبعض المؤسسات. ومن المؤسسات التي كانت تديرها الجماعة، نذكر مؤسسة منتدى أركو أو البيت التركي، التي اعترف مسؤولوها علنا بأنهم تابعون لجماعة غولن، كما أنهم لم ينكروا ذلك أبدا.
أما عن وسائل الإعلام التابعة للجماعة، فإن الاعتراف ليس علنيا ولا يمكن الكشف عن هذه الوسائل، إلا أنه توجد بعض الاستثناءات، مثل "الدياريو توركو"، و"بونتو دي فيستا"، و"لاريفيستا كاساد"، وهي من الوسائل التابعة لجماعة غولن والتي تم كشف أمرها منذ أشهر في إسبانيا.
ومن بين هذه الوسائل التي تم ذكرها، فقط المدير العام لمجلة كاسادا اعترف علنيا بارتباطه هو ومجلته بالجماعة. وتعرف هذه المجلة التي تصدر كل ثلاثة أشهر بأنها وسيلة إعلام تهتم "بالفكر العلمي والروحي". ويشرف على قسم التحرير في هذه المجلة محمد سيغينير، كما يتم نشر نسخة منها في أمريكا اللاتينية. وقد توقفت هذه المجلة في وقت مبكر من هذا العام عن النشر، إلا أن متابعيها يمكنهم الحصول على نسخة من منشوراتها من مؤسسة البيت التركي في العاصمة الإسبانية مدريد.
وكشف رئيس تحرير المجلة أن وسيلة الإعلام هذه تنتمي إلى مجموعة "كايناك" التي قامت الحكومة التركية بمصادرتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
غولن الزعيم الروحي
وكان من المعتاد أن تنشر "كاسادا" بين صفحاتها وبعد الصفحة الرئيسية، مقالات لفتح الله غولن، تحمل عناوين من قبيل "الفوضى والعالم الباطني للإيمان"، "من جمال الحب الإلهي"... كما تعدّ المقالات التي تسبق كتابات فتح الله غولن مزيجا من المعلومات الدينية والعلمية.
في بداية الأمر لم يتضح أن "الدياريو توركو"، و"بونتو دي فيستا"، و"لاريفيستا كاساد"، مرتبطة ببعضها البعض، إلا أنه عند مقارنتها ببعضها سيتبيّن أن لها قواسم مشتركة ثابتة. ومن بين هذه القواسم نذكر أن صفحات هذه المجلات على موقع التويتر لها متابعون مزيّفون، إذ يبلغ عدد متابعي "فيستا" حوالي أربعة آلاف متابع في حين أنه لا يتابعها الكثير وليست مشهورة بالشكل الذي يوحي به هذا العدد.
وفيما يتعلق بمحتوى هذه المواقع، فإن جميعها تحاول الإعلام عن جميع المواضيع في عدد قليل من الأسطر، وتحاول أن تصل إلى مرتبة "صحيفة". كما أنها عادة ما تقوم بنسخ أخبار من وكالات أنباء مثل يوروبا برس، دون أن تضع بصمة للإيديولوجيا الخاصة بها.
وعلى الرغم من محاولة هذه المواقع عدم إظهار أية علاقة بينها، إلا أن تغريدة نشرت يوم 5 أغسطس/ آب الماضي من قبل مجلة "دياريو توركو"، كات بمثابة دليل واضح على هذه العلاقة. وجاء في هذه التغريدة؛ "هذا هو رابط مجلة "بونتو دي فيستا" الذي تستطيعون من خلاله متابعة أخبارنا إلى أن نتمكن من حل المشاكل المرتبطة بموقع مجلة دياريو توركو".
كما أنه لا توجد أية دلائل حول من يقف وراء محتويات وسائل الإعلام التي سبق ذكرها، حيث نشرت فقط بعض المقالات تحت اسم خافيير لوبيز، إلا أن محاولات الاتصال بهذا الشخص باءت كلها بالفشل. كما أنه في حال ضغطت على رابط مراسلة الكاتب، فسيؤدي بك الأمر إلى بريد إلكتروني عام، لا يرد على رسائل متابعيه.
وقد صرح لوبيز سنة 2015 إلى أحد الصحفيين الإسبان أن صحيفة "بونتو دي فيستا" تابعة لأوروبا برس، التي تترجم مقالات من وكالة جيهان التركية وزمان اليوم، التي تعدّ صحيفة غولن الرئيسية في تركيا، والتي تنشر في بعض الأحيان مقالات لقائد الجماعة.
لماذا تكونت وسائل الإعلام المحسوبة على جماعة غولن؟
ويقول جوماييف إن "تأسيس وسائل الإعلام المذكورة يعود إلى سنة 2011، وكان ذلك عندما قرر هو وصديق له ـ لم يذكر اسمه ـ تأسيس مجلة بونتو دي فيستا".
وأضاف "جوماييف" قائلا؛ "أسس صديقي موقعا على الإنترنت قبل القدوم إلى إسبانيا، وبما أنني صحفي وتعاونت مع وكالة جيهان التركية فقد كانت فكرتنا نابعة من افتقارنا إلى وسيلة إعلام باللغة الإسبانية حول تركيا والشرق الأوسط، مما دفعنا إلى محاولة ملأ هذا الفراغ".
ويضيف أنهم "خلال السنوات الأولى لم يتمكنوا من القيام بمهامهم على أكمل وجه، كما أنه في البداية كان الموقع يهتم بنشر تقارير تحليلية ومقالات رأي، ولإحداث تغيير بحثا عن النجاح، تم تغيير شكل واسم المجلة وخلق مجلة تحت اسم "الدياريو توركو"، لتغطية الأخبار اليومية والتركيز أكثر على الوضع في تركيا".
ومن الواضح أن جوماييف فشل في إثبات أن وسائل الإعلام التي تم ذكرها، ليست على ارتباط بجماعة غولن. وعلاوة عن ذلك، هناك أدلة حول ارتباط وسائل الإعلام التي سبق ذكرها بالجماعة ومؤسسها، فتح الله غولن.
ومن بين هذه الأدلة الجلية، نذكر أنه في سنة 2015 تم نشر مقال على إحدى هذه المجلات بتوقيع سافاس جنك، الأستاذ بجامعة الفاتح، كشفت فيه الصحافة التركية أنه "العقل المدبر للجماعة".
كل وسائل الإعلام تنتمي إلى نفس المجموعة"
من جهة أخرى، أكد الباحث والأستاذ مارك ساورينا أن "مؤسسة البيت التركي ومجلة "الدياريو توركو" ينتميان إلى نفس المجموعة". وصرح مدير المرصد الإسباني الروسي أوراسيا فرناندو مورغون، الذي يحافظ على علاقة وثيقة مع هذه المؤسسات التي شارك في أنشطتها المختلفة، أن "كل شخص ينتمي إلى المجموعة يتكفل بمهمة مختلفة عن الآخر، ومع ذلك فإن الجماعة تنفي وقوفها وراء وسائل الإعلام هذه".
وأوضح ساورينا أنه "في إسبانيا هنالك العديد من المبادرات والمشاريع المماثلة للبيت التركي، إلا أن أسماءها مختلفة وتُوجهها مجموعة صغيرة من الناس". وأضاف أن "هناك نوعان من المراكز الأخرى المسجلة بنفس الاسم في برشلونة وأليكانتي".
وأفاد تيميرزودا أن "هذه المشاريع هي أساسا جمعيات شبابية مستقلة ومسجلة في مجتمعاتها". وقال في هذا الإطار إنهم "من خلال برامجهم، يركزون على المساعدة الاجتماعية والأعمال الخيرية". كما أنه لاحظ أن "بعض الجماعات حاولت فتح مراكز بنفس الاسم في المدن الإسبانية الأخرى".
وأقر سورينا من جديد بأنه "يبدو من الغريب تسجيل مؤسسات تابعة لجماعة غولن في إسبانيا، على الرغم من أن تواجدها يعتبر محدودا نوعا ما مقارنة مع الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية منفى قائد الجماعة، فتح الله غولن. ومع ذلك، فإن الحركة قد استقرت حيث تتواجد مجموعات كبيرة من المسلمين، محاولة دائما إقناع العالم بأن إسلامها يختلف عن الإسلام في العالم العربي".
وعادة ما تسعى هذه المجموعة إلى نشر الثقافة التركية بين الإسبان. وفي هذا السياق، قال تيميرزودا إنه "قام بتأسيس منتدى أركو مع أصدقاء آخرين لنشر أفكار فتح الله غولن". كما أنه يعتقد أن هذه المؤسسات تهدف إلى مكافحة الجهل المتزايد وإعادة تعليم وتأطير المسلمين.
وأوضح أيضاً أن "البيت التركي أساسا يريد بناء جسور بين إسبانيا وتركيا في جميع المجالات، وأن الحركة لديها رؤية انفتاحية، وأن معظم المؤسسات التي تنشر الثقافة التركية في الخارج هي تابعة للحركة باستثناء السفارات. وعلى الرغم من ذلك، لا توجد وثيقة تثبت أن البيت التركي يرتبط ارتباطا مباشرا بالحركة".
أتراك وآسيويون داخل الجماعة
هناك أيضا معلومات تفيد أن الكثير من الأشخاص الذين تربطهم علاقة بمؤسسات الحركة ليسوا أتراكا فقط، إنما سُجّل أيضا تواجد عناصر من مناطق آسيا الوسطى. كما تملك الجماعة الكثير من المدارس الخاصة، حيث يُمنح الاهتمام لمفهوم الولاء والتعاون ويُدرّس مفهوم التفاهم بين جميع الأطراف في السلطة، فهذا يمكن الأشخاص من الوصول لمراكز السلطة ليقوموا لاحقا بدعم المنظمة ماديا.
وأوضح أورتيغا أن الأتراك الذين يشغلون مناصب هامة يرتبطون ارتباطا مباشرا بغولن. من ناحية أخرى، دافع خومايب عن وجود وسائل الإعلام باعتبارها وسيلة لإبلاغ الأصوات باللغة الإسبانية، في كل ما يخص الأوضاع في تركيا والشرق الأوسط. وقد قال في هذا السياق إن "هناك الكثير من التقارير باللغة الإنجليزية، على عكس اللغة الإسبانية". وهو ما يفسر أن الصحافة الاسبانية تعيش أزمة ولا تملك مراسلين خاصين ينقلون لها الحقائق في تلك الأماكن.
وأفاد أورتيغا أنه لا توجد غير مؤسسات الجماعة في الأراضي الإسبانية، أي أنه لا يوجد أي مركز أكاديمي مرتبط بتركيا، على عكس الدول الأوروبية الأخرى، التي تبرر وتدعم وجود غولن.
ويقول تيميرثودا إنه "مما لا شك فيه أن نتائج محاولة الانقلاب لازالت تنعكس سلبياً حتى الآن، حيث أن أحداث 15 يوليو/ تموز أثرت أيضا على أسبانيا".
كما أوضح تيميرثودا أن المؤسسات التي ترغب في التعاون مع الأتراك في الخارج ينبغي عليها استشارة سفاراتها، وبهذه الطريقة ستتعقد عديد الإجراءات مثل مساعدة الطلاب الأتراك القادمين للدراسة في إسبانيا، والذين يريدون الحصول على منحة دراسية جامعية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس