محمد زاهد جول – القدس العربي
منذ أشهر والشعب التركي يخرج في مسيرات منددة بما يجري في حلب من مذابح وقتل تمارسه الميليشيات الطائفية الإيرانية ومن حزب الله اللبناني بل وقوات الحشد الشعبي العراقي، الذي ذهب إلى حلب منذ أشهر عديدة، هذه المسيرات للمواطنين الأتراك لم تساندها مظاهرات في البلاد العربية، بل كانت بعض العواصم العربية تستقبل فرق رقص الباليه الروسية للأطفال، بينما الطيران الحربي الروسي يسقط حمم قنابله الحارقة والخارقة والمدمرة والعنقودية والنابالم على مدينة حلب، ويقتل أهالي حلب في جرائم حرب يصفها إعلام بشار وإعلام حزب الله اللبناني بأنه انتصار في حلب، ويتكبر ويتجبر لافروف وزير الخارجية الروسي بأن الجيش الروسي سوف يقتل كل من فيها إن لم يغادرها أهلها الذين يدافعون عنها، وينذر ويتوعد بينما رؤساء الدول العربية والإسلامية لا ينددون بهذه المواقف الروسية الوحشية، بل لم تحرك دولة عربية أو إسلامية واحدة مظاهرات رافضة لتدمير حلب، وكذلك لم يتكلف حزب عربي أو إسلامي أو علماني إصدار بيانات ترفض قتل أهالي حلب، أو للمطالبة بخروج مظاهرات في الشوارع العربية تندد بالعدوان الروسي على حلب، لأن روسيا أخذت ضمانات السكوت العربي من واشنطن وكيري، كما أخذت من أمريكا ضمانات عدم تزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية المضادة للطائرات أو المضادة للدروع حتى تستكمل روسيا متطلبات المشروع الأمريكي في سوريا والمنطقة.
لقد أصبحت حلب مدينة أشباح، وتم تدميرها بشكل لم يقع مثله في الحربين العالميتين، فهل الهدف من ذلك هو بقاء بشار الأسد في السلطة، ولماذا يبقى في السلطة وقد قتل شعبها ودمر مدنها، وقام باستقدام كل أنواع الإجرام الحربي ومحترفي الإبادات البشرية، ومنتهكي الكرامة الإنسانية في العالم؟
لا شك أن الدول العربية والإسلامية لا تستطيع بصفتها الفردية مواجهة روسيا عسكريا، ولكنها كانت ولا تزال تستطيع مواجهة روسيا إعلاميا، فلماذا لم تفعل ذلك؟ لماذا لم تكشف للشعب الروسي حقيقة المعركة، وما يجري في سوريا من حروب إبادة بشرية على أيدي الجيش الروسي، دون وجه حق، وإذا عجزت الدول العربية والإسلامية عن فعل ذلك بسبب التزامها المواقف الرسمية، ألم تكن المنظمات الشعبية العربية والإسلامية تستطيع فعل شيء؟ ألا تستطيع منظمات المجتمع المدني البلاد العربية والإسلامية أن تمارس حقها في التعبير عن رفضها للعدوان الروسي، واعتراضها على تصرفات الجيش الروسي، دون أن يدخل ذلك في الاساءة للدول الأخرى، لأنها وهي تطالب بحماية أهالي حلب لا تعتدي على روسيا، وإنما تحاول ان تحمي إخوتها وأهلها في حلب من القتل والتدمير والقصف الروسي الوحشي، ولما كانت هذه الحملات العسكرية الدولية الوحشية الأمريكية والروسية تعلم انها سوف تواجه بالغضب الشعبي العالمي قبل العربي، سعت إلى خداع شعوب العالم بأن هناك تنظيمات إرهابية باسم القاعدة و«داعش» والنصرة وغيرها، فدمرت سوريا والعراق وقتلت الملايين ومئات الألوف بحجة هذه التنظيمات التي تعد بالمئات أو الألوف، بل عندما يتم القصف لا يقتل من هذه التنظيمات إلا معدل 1٪ مما يقتل من المدنيين والأبرياء، ولا يمسها شيء من القصف الروسي ولا من العدوان الأمريكي في العراق أو في سوريا أو في ليبيا أو غيرها، بل حتى ضحايا الطائرات الأمريكية بغير طيار هم من المدنيين الأبرياء في الغالب، وهذا ما أثبتته منظمات دولية إنسانية وحقوقية مختصة.
إذن كيف تتم مواجهة هذا العدوان الروسي الوحشي على حلب، فما قامت به كل المساجد التركية من على منابر خطب الجمعة بالتنديد بما يجري في حلب جيد ولكنه لا يكفي، فحلب تحترق والعالم يتفرج، وما أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة من قرار وقف الأعمال القتالية في حلب هو أيضا قرار مهم ينبغي البناء عليه، بأن أهالي حلب ليسوا إرهابيين، وليس كل من يرفض الاستسلام للاحتلال الروسي أو الإيراني إرهابي. هذا ما ينبغي ان تفهمه روسيا، وهذا ما ينبغي أن تتبناه الدول العربية والإسلامية، وان تعلي الصوت فيه في الأمم المتحدة وفي كل أنحاء العالم، وما يجري في تركيا من مظاهرات ضد القتل الهمجي في حلب لا بد أن يعمم في كل أنحاء العالم وبالأخص في العالم الإسلامي كله، وما يعلنه الرئيس التركي أردوغان ورئيس وزرائه يلدريم من ضرورة قرب التوصل إلى حل سياسي يوقف الصراع في سوريا هو مهم أيضاً، ولكن ذلك لا بد ان يتحقق على أرض الواقع، وان يتم دعمه من كل أنحاء العالم الإسلامي أيضاً.
لا شك أن المسؤولية على الحكومة التركية مضاعفة، بسبب جوارها للأراضي السورية وقربها من حلب، ومواصلتها للحوار مع أطراف الصراع الحقيقية روسيا وإيران، فروسيا دخلت في حرب إبادة لأهالي حلب لن يجلب لها النصر إطلاقاً، بل العار والخزي والخسران، فروسيا خاطئة في حربها في سوريا، وخسارتها ستكون أكبر بكثير من أي نصر وهمي يمكن ان تسمعه من بشار الأسد أو من الحكومة الإيرانية أو من ميليشياتها وفي الوقت نفسه نقول ليس صحيحا ان تركيا انشغلت بإنقاذ نفسها عن إنقاذ العراق وسوريا، لأنها وهي ترى الدول التي تمارس الإجرام في سوريا لا ترى أن من واجبها تقليد القتلة والمجانين، فلا تستطيع أن تجاري روسيا في إجرامها ولا أن تجاري إيران في جنونها، فالقضية ليست انقاذ نفسها، وإنما هي مسألة الامتناع عن ممارسة القتل الهمجي الوحشي على الطريقة الروسية، والامتناع عن ممارسة القتل الطائفي على الطريقة الإيرانية، ولعل ما تتمناه أمريكا أن ترى تركيا تمارس القتل على الطريقة الروسية أو الإيرانية، سواء في سوريا أو العراق أو ضد إيران أو روسيا، وما قصة اسقاط الطائرة الروسية التي افتعلتها أمريكا لإيقاع حرب بينهما ببعيد، ومن لم يدرك مخاطر اسقاط الطائرة الروسية على تركيا فإن مشهد الانقلاب العسكري في تموز/يوليو الماضي في تركيا وما حمله من مخاطر كفيل أن يعرف ما ينبغي معرفته في مكائد الصراع الدولي.
ان المنطقة العربية والإسلامية جميعها تتعرض لهجمة كونية كبيرة، وليست حلب إلا الجرح النازف فيها هذه الأيام، والعلاج والتحدي ينبغي أن يتناول كل المشهد وليس مآسي حلب فقط، على ما فيها من آلام، وتركيا من أكثر الدول الإسلامية المدركة لخطورة هذه المعركة والمديات التي يتم العمل للذهاب بالمعركة إليها، وتعلم القيادة التركية وشعبها معها انها مستهدفة للدخول في هذه المعركة عسكريا، وليس من الغلو القول ان النشوة الأمريكية لم تبلغ قمة فرحتها حتى تورط تركيا في هذه المعارك والحروب، ولعل تكرار النفخ في أسماع تركيا بانها قائدة العالم السني، وانها هي التي سوف تقود المعارك السنية ضد إيران الطائفية، هي من فتائل هذه الدعاية الخبيثة، وكانت أجوبة الحكومة التركية وعلى لسان رئيسها أردوغان بان تركيا لا ولن تخوض معارك باسم السنة، ولا باسم الحروب الدينية ولا الطائفية، مهما خاضت إيران هذه الحروب المجنونة، ليس خوفا من هذه الحروب الطائفية، وإنما رفضا ان تسير تركيا الحضارية وراء دول تحكمها عقليات جوفاء.
ولذلك سيبقى الموقف التركي والعالم وبالأخص دول العالم الإسلامي هاما على صعيد اتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة في سوريا والعراق وحلب والموصل وغيرها، وكما عبر نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش قائلا:» إن بلاده تبحث مع جميع الأطراف المعنية بما فيها روسيا، موضوع وقف إطلاق النار في مدينة حلب، شمالي سوريا»، وقال: إن «تركيا تقوم بما يقع على عاتقها من أجل إنهاء الأزمة الإنسانية في حلب»، ولكن تركيا لا تملك من القوة العسكرية ما تواجه به روسيا، ولن تسعى للدخول في صراعات دولية تصبح فيها إحدى ضحايا هذه الحرب على الأمة الإسلامية، فتركيا لا تخفي مخالفتها للسياسة الروسية في سوريا، وترفض عمليات القصف الهمجي الأعمى، وترفض القتال الطائفي الذي تقوده إيران، وتدرك ان هذه الأعمال العدوانية ستجد نتائجها الوخيمة عليها ولو بعد حين، والرهان الأكبر الذي تؤمن به الحكومة التركية ان الاحتلال الروسي والإيراني زائل لا محالة، وان أهل سوريا وحلب لديهم القدرة والشجاعة لتحرير بلادهم من المحتلين، فمعارك حلب وغيرها هي سجال والأيام دول بين الناس.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس