محمد عمر زيدان - خاص ترك برس
يحكى في التراث العربي أن حاكمًا ظالمًا مات وورثه ابنه وكان الأب قد اعتاد على الذهاب إلى الحمام كل أسبوع ,وعندما جاء الولد إلى سدة الحكم نصحه مستشاريه على السير على خطى أبيه وأن يذهب إلى الحمام كل أسبوع وفعلًا ذهب هذا الولد إلى الحمام وكان قد سأل مستشاريه عن الأجرة فقالوا نصف دينار وبعد الانتهاء قام الولد بدفع نصف دينار إلى صاحب الحمام إلا أن صاحب الحمام طلب دينار فسأله الولد مستغربًا لما فقد كان أبي يستحم بنصف دينار فكان الجواب صادم لأنك أوسخ من أبيك.
وكما نعلم أن الشجرة أصلها من جذرها وأن الفرع هو تبع للأصل فلا يتصور أن يكون الفرع مثمرًا والأصل قاحلًا كما أن نادرًا ما يكون الفرع جيدًا والأصل حقير إلا نادرًا و النادر لا حكم له وربما يتصور الأمر إذا كان طعم الفرع مختلف عن الأصل.
في ثمانينيات القرن الماضي ظهرت حركة في سورية قادها عدد من الشباب المسلم المتحمس وقد أطلقوا على حركتهم حركة الإخوان المسلمين وكان من أبرز سماتها تغيير الواقع الحالي والإطاحة بالرئيس حافظ الأسد في ذالك الوقت وبحزبه الحاكم المسمى حزب البعث العربي الاشتراكي - العلماني - وإقامة حكومة إسلامية إلا أن سرعان ما افتُضِح أمر هذه الجماعة التي لم تكن بعد في طور القوة والقدرة على المواجهة، واستطاع حافظ الأسد بترسانته العسكرية التي كان يتبجح بها لقتال إسرائيل من سحق هذه الجماعة فقتل من قتل وهجر من هجر وشرد من شرد وأعتقل من اعتقل ,وكان لأبناء حماه وحلب وإدلب النصيب الأكبر من القتل والتدمير والتهجير وهذه الكلمات الثلاثة لم تكن بعيدة عن مخيلة أبناء الشعب السوري في هذه المدن الثلاثة.
وينقل شهود عيان عاصروا الأحداث وكانوا شهودًا عليها كيف أن حزب البعث ومن خلال أذرعه في الجيش والمخابرات قام بارتكاب فظائع في حق المدنيين وقد حكى لي والدي رحمه الله الكثير من تلك القصص التى سمعها وشاهدها بأم عينه وذالك بسب موقعه في سلك المخابرات ونظرًا لأنه لم يكن بعثيًا وكان ناصريًا لم يسمح له ولأقرانه بالمشاركة مع العصابات آنذاك - والحمد الله - فكل من لا ينتمي لحزب البعث كان مهمشًا، فقد روى لي عن المحاكم التي كانت بأمر من توفيق صالحة في ذالك الوقت في إدلب (جسرالشغور) فقد كانت عصابات البعث تجمع الرجال ووجوههم إلى الحائط وتصدر قرارها بعد أن تتلو نص الحكم الشفهي (حكمت عليكم المحكمة العسكرية بالقتل رمياً بالرصاص لانتسابكم إلى عصابة الإخوان المسلمين، وبهذا قتل الآلاف من الناس بلا ذنب حتى أن الكثير منهم حقيقة لا يعرف ما حركة الإخوان المسلمين. ولم تكن محاكم جسر الشغور الأخيرة في تاريخ الأسد الأب بل أحداث حماه ومجازرها ومحاكمها الميدانية وحلب ومحاكم حي المشارقة في حلب وحمص وسجن تدمر و... يطول الكلام.
ولم يكتفِ الأب بذالك بل أجبر مجلس الشعب عل إصدار قانون (49) بتاريخ 7/7/1980 بالحكم بالإعدام على كل منتسب لجماعة الإخوان وبذالك أصبح هذا القانون ورقة يلعب بها كل كلب لاعق لحذاء الأسد وأصبحت التهمة الرئيسة التي تودي بصاحبها إلى السجن والقتل هي تهمة الانتساب للجماعة المحظورة.
وما أشبه الأمس باليوم فعند وصول الابن إلى سدة الحكم قام بعملية فرض الأمر الواقع على إرادة السوريين وعدل الدستور وفصّل الحكم والكرسي على مقاسه ونصب رئيسًا للدولة السورية على الرغم من أنف الجميع ومع ذالك استبشر الناس به خيرًا كونه يحمل شهادة في الطب لا يُعرف مصدرها وقد درس في المدارس الغربية ويحمل فكرًا تقدميًا، إلا أن أمل السوريين خاب بعدما ظهرت تصرفات الابن والتي كانت أسوء من أبيه فانطبقت عليه القصة التي سردناها من البداية فخرج الولد أوسخ من أبيه.
وعلى ما يبدو كانت وصية الأب لابنه أن استعن بالشيطان ولا تترك الكرسي وهذا ما حدث فعلًا فقد استجلب كل مرتزقة العالم لقتال أبناء شعبه إذا افترضنا جدلًا أنه من أبناء هذا الشعب.
واليوم يدخل أحياء حلب بمساعدة بجحافل المغول وبرابرة العصر بعد حصار دام لعدة أشهر ويكرر ما فعله أبيه في ثمانينيات القرن المنصرم من قتل الناس بالشبهة لانتمائهم لجماعة محظورة من خلال المحاكم الميدانية والتقارير التي تأتي من خلال النشطاء على الأرض تأكد قتل أكثر من 260 مدنيًا بتهم شتى ومن أبرز هذه التهم الانتماء إلى جماعات إرهابية مسلحة.
ولكن هناك فرق جوهري بين الأمس واليوم فعلى زمن الأب لم يكن هناك إعلام وتصوير على القدر الكافي من المهارة التي هو عليها اليوم وإن وجد في تلك الاثناء كان نادرًا وكان النظام يقوم بعملية تمويه وإخفاء ممنهجة وكان التصوير في تلك الأيام جريمة لا تغتفر والذي وصل إلى الإعلام الغربي دعونا نقول أنه نادر وربما يكون جلّه من صنع النظام وكنا ربما نلتمس للمجتمع الدولي عذراً بأنه لم يكن حاضراً أو شاهداً على ما حدث.
أما اليوم فما هي حجة العالم من منع هذه المحاكم والمجازر علماً أن كل وسائل الإعلام تتناقل الأخبار بسرعة البرق ولا تخفى خافية على الإعلام إلى أن الجبن والخوف والانحياز إلى القاتل هي من أبرز سمات الإعلام الغربي اليوم وإن كانوا كل يوم يتبجحون بحماية حقوق الإنسان إلا أن هذا كله محض كذب وافتراء، وكما صمد الشعب السوري في وجه العالم سيصمد حتى ينتصر ولن نستصرخ أحدًا ولن نستجدي أحدًا وسنعود لمقولتنا المشهورة التي انطلقت مع بداية الثورة (ما لنا غيرك يا الله).
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس