د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
أثارت عملية درع الفرات منذ اليوم لانطلاقتها تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة، منها ما هو حول توقيت هذا التدخل المفاجئ للجيش التركي، في وقت كان الأحوج به للملمة جراحه، وإعادة ترتيب بيته الداخلي بعد الانقلاب العسكري الفاشل في الخامس عشر من تموز/ يوليو المنصرم.
ومنها ما هو حول الهدف العاجل والغاية النهائية لهذا التدخل العسكري في منطقة طالما نُظر إليها كمستنقع يجب اجتناب الخوض به والانجرار لدخوله.
أضاع الأتراك ومعهم المعارضة السورية العسكرية والسياسية فرصة ذهبية في العامين 2012 و2013 عندما سيطرت قوات الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية على مناطق شاسعة من محافظات حلب وإدلب والرقة ودير الزور ومناطق أخرى أثناء تقهقر سريع لقوات النظام أمام تقدم الجيش الحر رغم تسليحه الهزيل في تلك الفترة. يومها لم يكن تنظيم داعش قد ظهر بهذه القوة وأغلب الأراضي كانت تحت سيطرة لواء التوحيد وأحرار الشام وجبهة النصرة وبقية الفصائل التي يمكن دمجها والتقارب معها. ولم تكن قوات سوريا الديمقراطية قد تشكلت بقيادة قوات الحماية الكردية المعادية لتركيا.
وكانت مصادر الثروة والموارد الأخرى من بترول وقمح ومعابر تحت سيطرة المعارضىة السورية.
هذه الفرصة ضاعت بسبب عدم التدخل التركي في الوقت المناسب، حيث كان الجميع، من سياسيين وعسكريين وكتاب وصحفيين ومن حكومة ومعارضة، متفقين على أن سورية مستنقع يجب عدم الانجرار للوقوع به، ولا مصلحة لتركيا بأي تدخل عسكري، وخاصة التدخل البري الذي كان يعتبر بمثابة خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
تَعَرُض بعض المدن التركية الحدودية، وخاصة مدينة كيليس لقصف متكرر بالصواريخ وقذائف الهاون من قبيل تنظيم داعش، والتفجيرات الارهابية في عمق الأراضي التركية، وتشكيل قوات سورية الديمقراطية بقيادة وسيطرة قوات حماية الشعب الكردية، وتنامي قوتها والتحرك نحو الهدف الاستراتيجي لفتح ممر لها يربط شرق الفرات بمدينة عفرين، وتشكيل سياج تسيطر عليه حول غالبية الحدود التركية السورية، وأخيرًا الانقلاب العسكري الفاشل، كل هذه التطورات والتحولات أحدثت انقلابًا وتغيرًا كبيرًا في العقلية والتفكير والرؤية التركية وعلى كل المستويات القيادية والسياسية وحتى الشعبية، مما سهل علمية درع الفرات وحَشَد لها التأييد المعنوي والسياسي والإعلامي والشعبي.
المعارضة السورية السياسية والعسكرية بشكل عام، وحركة أحرار الشام ولواء التوحيد بشكل خاص، التي سيطرت على مناطق شاسعة من الاراضي السورية تمتلك كل مقومات البقاء والموارد المالية، فشلت هي الأخرى في تشكيل البديل الذي كان حلم السوريين، لمنع تغلغل تنظيم داعش وقيام دولته المزعومة، التي طعنت المعارضة والشعب السوري وجلبت لهم الويلات والمآسي وسهلت عودة النظام لكثير من المناطق.
تزامُن علمية درع الفرات مع حصار حلب الشرقية، وتوجه بعض الفصائل للمشاركة بدرع الفرات، وسقوط حلب فيما بعد، وخروج المسلحين منها مرغمين وتسليمها لقوات النظام والميليشات الإيرانية، جعل الكثير من المحلليين السياسيين والمتابعين يتساءلون عن فائدة تحرير مناطق ريف حلب الشرقي بعد فقدان مركز ثقلها وعاصمتها وعن مستقبل هذه المنطقة بدون حلب المدينة.
عملية درع الفرات التي بدأت في الرابع والعشرون من شهر آب/ أغسطس الماضي وحتى كتابة هذه الاسطر وهي تحاول إكمال السيطرة على مدينة الباب، لم تكن خسائرها البشرية قليلة، أكثر من سبعين شهيدا من القوات التركية وعشرة أضعاف هذا الرقم تقريبًا من شهداء قوات الجيش السوري الحر.
ثلاثة أهداف واضحة وأساسية حققها هذا التدخل حتى الآن، أولها طرد تنظيم داعش من الحدود التركية وتحقيق الأمن وعودة الأمان للمدن الحدودية التركية، مما خلق ارتياحًا لدى المواطن التركي، ورضًا لهذه النتيجة ودعمًا لدرع الفرات رغم جثامين العساكر لكل المحافظات.
وثاني هذه الأهداف، وقد يكون هو الأهم بالنسبة للأمن القومي التركي، منع تمدد قوى الحماية الكردية التي تعتبرها تركيا تنظيما إرهابيا وامتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تخوض معه حربا منذ عشرات السنيين. وقطع الطريق أمام مشروع هام، ومنع ممر ربط الكانتون الكردي بالجزيرة مع الكانتون في مدينة عفرين، وهذا ما أكسب مدينة الباب أهمية كبرى في هذه المرحلة.
الهدف الثالث الذي بدأت بوادره ولم يكتمل بعد، هو إقامة المنطقة الآمنة في مساحة خمسة آلاف متر مربع، وتأمين حظر للطيران حتى يتم البدء في بناء البنية التحتية وإعادة الإعمار والمجمعات السكنية وتقديم الخدمات الإنسانية الأساسية من صحة وتعليم وإيواء، من أجل تشجيع اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم ولمنع أي نزوح جديد ولجوء قد تتعرض له تركيا.
مع كل هذه الإنجازات وتحقيق الأهداف العاجلة والأساسية والهامة، لا تزال هناك عثرات أمام عملية درع الفرات، منها معضلة منبج، وعدم انسحاب قوات سورية الديمقراطية منها، هل ستلتزم أمريكا بتعهدها وانسحاب هذه القوات من مدينة منبج لتسليمها للمكون العربي من أبنائها الاصليين، وهل سيكون هذا بمثابة تخلٍ عن مشروع الدولة الكردية في ظل أحاديث عن أنه مشروع استراتيجي لصناع القرار الأمريكي ولا يمكن التخلي عنه...!!
وكذلك ما مدى إمكانية تحقيق متطلبات المنطقة الآمنة وحظر الطيران وتأمين الأمان..!!!!!؟؟
ويظل الغموض حول مستقبل عملية درع الفرات والحدود التي ستتوقف عندها، والوجهة القادمة لهذه القوات بعد مدينة الباب، هل هي الرقة أم منبج؟ خاصة في ظل تضارب التصريحات المتأثرة بتقلبات الأحوال الجوية في واشنطن والقرارات الترامبية المنتظرة...
وعن مستقبل هذه المنطقة ضمن التسويات القادمة هل هو مشروع التقسيم أم المحافظة على وحدة التراب السوري...؟؟
ومن هي القوة المؤهلة لقيادة سورية الموحدة...؟؟ وهل تعود سورية موحدة كما كانت أم أن هذا أصبح حلمًا ومن ضرب الخيال...؟؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس