حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

العمليات العسكرية جميعها تكون صعبة وتحتاج إلى الحذر والحسابات الدقيقة. وكانت عملية درع الفرات إحدى العمليات العسكرية النادرة التي قامت بها تركيا خارج حدودها، وتحمل الصعوبات المذكورة أيضاً, لكنها كانت عملية ناجحة على الرغم من صعوبتها. حيث تمت السيطرة على مساحة تصل إلى ألفي كيلو متر، وطُهرت من الإرهابيين في غضون ستة أشهر. وأصبحت المساحة المحررة المنطقة الأهم لتمركز القوات التركية في سوريا.

بدأت عملية درع الفرات بشكل سريع في تحرير المناطق. حيث تم تطهير جرابلس خلال نصف يوم, كما حافظت القوات التركية على سرعتها في دابق أيضاً وتحررت دابق في وقت قصير بعكس توقعات الجميع. وحدث ذلك على الرغم من أن دابق كانت تحمل أهمية خاصة بالنسبة إلى داعش. وكان الجميع يعتقد أنها ستقاوم مدة أطول, إلا أن عملية درع الفرات تمكنت من كسر شوكة المقاومة فيها خلال مدة قصيرة. جاءت بعدها التوقعات حول تطهير الباب في مدة مماثلة لباقي المناطق نظراً إلى سرعة جريان العملية, إلان أنها استهلكت وقتاً وجهداً أكبر نظراً إلى موقعها الاستراتيجي. حيث خسرت تركيا عددا كبيرا من الشهداء خلال حصار منطقة الباب.

حاولت عدة أطراف ردع تركيا عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية سواء في الداخل أم في الخارج خلال مرحلة الحصار. لهذا السبب قال البعض: "ما شأن تركيا في الباب", وقال البعض: "منطقة الباب ليست مهمة إلى هذه الدرجة", وقال آخرون "ستكون الباب بلاءً علينا".

كان كل ذلك جزءاً من محاولات خلق شوشرة بين أفراد الشعب التركي. وحاولوا من خلال هذه الشوشرة الوقوف في وجه محاولات تركيا لتحقيق هدفها الرئيس, وإشغالها بالشكوك والمخاوف. على سبيل المثال, كان من الممكن التساؤل عن مدى أهمية الباب الاستراتيجية أو خلق ضغط شعبي على الحكومة التركية في إطار تزايد عدد الشهداء. حيث جاءت محاولات من جوانب مختلفة لخلق هذا الضغط.

لكن تمكن كلّ من الحكومة والشعب من إظهار إرادة قوية خلال هذه المرحلة. قد لا تكون لدينا بيانات تؤخذ بعين الاعتبار, لكن من الممكن أن يكون هذا الضغط قد أظهر تأثيراً حاداً في الساحة. وقد يكون أحد الأسباب الرئيسة في تنفيذ العملية على شكل حصار على مدى طويل. إلا أن الحصار حقق نجاحاً كبيراً, وتحررت الباب, وبدأت القوات التركية بتطهير المدينة بشكل كامل.

إذان ما هي الخطوة التالية؟ كانت خطوط مدينة الباب الهدف الرئيس من عملية درع الفرات، فما هو الهدف التالي؟ إن الجواب عن هذا السؤال يتوقف على الظروف الجديدة. أما تحديد الظروف الجديدة فإنه يتوقف على الاتفاق الذي سيتم الوصول إليه مع أمريكا، إذ ستتوضح السياسية التي ستتبعها الحكومة الأمريكية خلال الأيام القادمة.

في الظروف العادية, الهدف الأقرب إلى تركيا هي مدينة منبج. و بطبيعة الأمر, سيكون الشمال السوري بأكمله هو الهدف الذي يلي مدينة منبج. لكن قضية منبج ستكون نقطة اختبار بالنسبة إلى تركيا. في حال تعاونت أمريكا مع تركيا في تحرير منبج, فسيكون من الممكن تقييم أوضاع المناطق الأخرى في الشمال السوري من جديد. لكن في حال عدم تحقيق التوافق بين الحكومتين في منبج, فسيكون تحقيقه أكثر صعوبة في المناطق الأخرى.

عندها يمكن لتركيز تركيا أن يتحول إلى الديناميكيات المحلية. لكن ليس من الغريب أن تلقي تركيا نظرتها الأولى على أمريكا في ظل الظروف العادية. في حال قيام الحكومة الأمريكية الجديدة بوضع نظام جديد يتجاهل ما فعله النظام السابق, فيمكن لتركيا أن تأخذ دوراً في ذلك. و في حال اتخاذ قرار لتنفيذ عملية لدخول مدينة الرقة تحت رعاية الأمم المتحدة, ستكون تركيا الخيار الأرجح للقيام بهذه العملية. لذلك تحاول تركيا تحديد جدول أعمال الحكومة الأمريكية, وتقدم لها خياراً بديلا وهو الدخول المشترك إلى مدينة الرقة.

ولكن كل هذه عبارة عن سيناريوهات بديلة. حيث يمكن للحرب في سوريا أن تأخذ اتجاهاً مختلفاً في أي لحظة. الشيء المهم هو عدم التخلي عن الحسابات على المدى الطويل. وسنكون على خطأ إذا اعتقدنا أن ذلك سيزيد من مدة الحرب في سوريا أو أننا اقتربنا من النهاية. على العكس تماماً, يجب على تركيا ألا تنسى أن هذا الصراع سيستمر على مدى طويل. لم يفت الأوان بعد. حيث شكلت مدينة الباب أساساً لصراع طويل المدى, وحان الوقت لاستغلال ذلك. يجب على تركيا أن تكون مستعدة للحرب بقدر استعدادها للسلام.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم