د. أحمد موفق زيدان - العرب
منذ اليوم الأول للثورة الشامية ونحن نكتب ونؤكد على أن الحدث الشامي مرتبط ارتباطاً داخلياً وجدلياً وثيقاً بالشأن التركي الغربي والشرقي بحسب النظرة والرؤية الغربية والشرقية المتوارثة منذ تقسيم ما اصطلحوا عليه بتركة الرجل المريض، وذلك نتيجة عوامل التاريخ والجغرافيا، فكل من يقرأ تاريخ المنطقة يرى أنها مرتبطة ببعضها بعضاً، بغض النظر عن تقسيمات سايكس بيكو المعروفة، فهم يتعاملون معها من الناحية السياسية الحكمية بشكل مقسم، ولكن حين تخرج الأمور عن أيدي عملائهم وأذنابهم كما حصل في الربيع العربي فهنا يتعاطون معها على أنها كتلة واحدة متماسكة تريد أن تخرج عن إمرتهم وسلطتهم..
حسمت روسيا منذ اليوم الأول للثورة الشامية الأمرعلى لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف أن لا مستقبل للسُّنَّة في الشام بأن يحكموها، وبالتالي لا بد من الأقلية النصيرية الطائفية أن تواصل حكم الشام، وهي رسالة كان ينبغي أن تكون واضحة لمؤسسات الفكر في تركيا وغير تركيا، وخلال هذه الفترة تم السماح بل والتسهيل وبكل صفاقة ووقاحة لإيران وكل مليشياتها وحثالاتها الطائفية أن تعبر الحدود وتكسر اتفاقيات سايكس بيكو من أجل قتل الشعب الشامي وتدمير الشام وتهديد تركيا، وحين أعياها تنفيذ ذلك لصمود الشام وأهلها، دخلت روسيا على خط التدمير والتهجير، ولحقت بها أميركا والغرب وكل حاقد ليقتل ويعيث فساداً وخراباً، وخرج المبعوث الأميركي مايكل راتني بالأمس ببيان ضد جبهة النصرة وكأنه ثعلب يخرج بلباس الواعظين، فتبين بعد بيان راتني أن أعداء وخصوم جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام لم يتركوا شيئاً له ليقوله، بعد أن أعاد وكرر تماماً أدبياتهم وأقوالهم..
هولندا اليوم تحمل راية أوربا ضد تركيا، وما قالته وفعلته هولندا اليوم من وقاحة سياسية وعمل خارج الصندوق ستفعله قوى ودول غربية وشرقية أخرى غداً أو بعد غد؛ ولذا ليس من سبيل أمام تركيا إلا أن ترفع راية أرطغرل الذي تتباهى الحكومة التركية اليوم به وبجهوده في توحيد العالم الإسلامي من سلجوقيين وأيوبيين وأتراك يومها لمواجهة حراس المعبد، فإرضاء أوربا وإرضاء روسيا المحتلة للشام والواقفة على بعد أمتار من حدودها خطر ماحق وساحق على تركيا..
الرصيد التركي يتآكل يوماً بعد يوم بعدم لجوئه للتفكير والعمل خارج الصندوق، وحشد العالم العربي والإسلامي القريب منها لمواجهة هذه الاستحقاقات المريرة، فلو حصل هذا مع بداية الثورة الشامية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم والله أعلم، ولكن ترحيل المشاكل وترحيل الأزمات وحسن الظن بالعدو ومن يتزيّ بلباس الصديق أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، التفكير خارج الصندوق هو الحل، ومواجهة الخطر الماحق الساحق الذي يهدد الشام هو الحل، فما يهدد الشام هو ما يهدد تركيا إن عاجلاً أو آجلاً، وقد كنت كتبت من قبل «حتى لا تسقط البراميل المتفجرة على تركيا»..
التاريخ والجغرافيا مرة أخرى خير أدوات ودليل على فهم ما يجري اليوم من أحداث، والعالم الغربي والشرقي لن يسمح لتركيا أن تنفتح على عمق سني عربي في الشام بعد أن تمت محاصرتها عبر عصابة طائفية حكمت الشام لعقود، ومنعتها من التواصل الجغرافي مع الشام ثم مع العالم العربي؛ ولذا فإقامة جدران طائفية بوجه تركيا سبق جدار الصهاينة في فلسطين، وكما هتف من قبل إبراهيم باشا حاكم بخارى حين احتل القياصرة بلده، اليوم بخارى وغداً أفغانستان، تهتف اليوم الشام إن لم يتم تدارك الأمر.. اليوم الشام وغداً تركيا..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس