عمار الكاغدي - ترك برس
فشلٌ ذريعٌ كلَّلَ المحاولة الانقلابية ليلة 15 تموز، ليس فقط على نطاق الجغرافية التركية بل إنّ ارتدادات الفشل وصلت إلى مراكز حسّاسة من عواصم "العالم الأول" وظهر ذلك جليّاً على شكل هلوَسَات غير منضبطة تكاد توصف باللاشعورية صدرت عن متحدّثين رسميين ووسائل إعلامية تقدّم نفسها على الدّوام على أنّها مهنية ومرموقة....
كلّ هذا كان في اللّحظات الأولى التي سبقت تمايز الخيط الأبيض من الأسود، ولكنْ وبطبيعة الحال ما إنْ تمّ الحسمُ على الأرض لصالح عموم الشّعب التّركي وتمّ احباط الانقلاب حتى تسابق الجميع لخطبِ ودّ القوّة الجديدة القديمة التي بقيت متربّعةً أعلى هرم السّلطة في تركيا.
على الفور تعلن الحكومة التّركية رسميّاً وقوف حركة "فتح الله غولن" وراء تلك المحاولة الفاشلة وتطالب الولايات المتّحدة بتسليم الرأس المدبّر وتزوّدها بأدلّة دامغة لا تدع للشكّ مجالاً، تماشياً مع ادّعاءات إدارة أوباما حينها بالجهل المطلق عن أي تفصيل لدى أجهزة مخابراتها عن المحاولة الانقلابية، جهلٌ وصل إلى حدّ ادّعاء الغباء الذي دفع نائب أوباما حينها"جو بايدن" للتّصريح: "لم نفهم في البدء فيما إذا كانت محاولة الانقلاب حقيقة أم خدعة إنترنت"!!! الخلط الذي تذرّع به لتأخر الولايات المتّحدة الأمريكية عن إدانة الانقلاب وربّ عذرٍ أقبح من ذنب...
بقي ملفّ تسليم "غولن" معلّقاً أواخر ولاية الرئيس السابق "أوباما" وبدأ "ترامب" ولايته وها هي أول مئة يوم من حكمه قد انقضت ومازال هذا الملف السّميك حَبيسَ أدراج المكتب البيضاوي في مماطلةٍ واضحة فلا إمساكٌ بمعروف ولا تسريحٌ بإحسان....
الموضوع تمّ ادراجه على رأس الأجندة المعلنة لزيارة الرئيس التّركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتّحدة الأمريكية في الفترة ما بين 15- 17 من مايو أيار الجاري، فالشأن خطيرٌ وقد مسّ بالفعل بؤرة الأمن القومي التّركي و وَضَعَ البلاد بطولها وعرضها على حافّة الهاوية.
في حال تمّت صفقة تسليمه إلى تركيا سيكون وَزنُ "غولن" يساوي بئراً من الذهب، لأنه سينضح ولا شكّ عن خبايا من التّواطؤ مع أذرع في الدّاخل التّركي ومع قوى دولية من الوزن الثّقيل لتكتمل الصورة القاتمة التي لم تكن لتُداهِمَ الأتراك في أحْلَكِ كوابيسهم، ولذلك فليس من المرجّح أن تتخلّى الإدارة الأمريكية الجديدة عن بئرٍ كانت تسقيه الإدارة القديمة عبرَ سواقٍ ربّما لم يتكشّف كثيرٌ منها بعد.
كلّ ما سبق لا يخفى على المفاوض التّركي ولكنْ، وفي الوقت الضّائع، ما الذي يمنع من الّلعب بورقةٍ حيّةٍ ميتةٍ في أنٍ معاً اسمها "فتح الله غولن" في مقابل قضايا ربّما تكون الآن أكثر مصيريّة وخصوصاً مع بدايات تبلور نهاية ممكنة للحرب الدائرة في سوريا؟
وختاماً فالسّمة العامّة لقضيّة "غولن" غلب عليها وسيغلب طّابعُ التّسويف والمماطلة، الأمر الذي يبرع فيه الأمريكيّون عن جدارة، بحيث إذا سألتَ أحد مسؤوليهم عن قضيّة سياسية محدّدة فمن الطّبيعي جداً أن يكون جوابه: ألا تعتقد معي أنّ الطقس في هذا اليوم المشمس ملائم لحفلة شواء!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس