عمار الكاغدي - خاص ترك برس
تفيض ذاكرتنا السّياسية العربية بعواقب مؤلمة ومأساويّة لكلّ احتكام فعلي للديمقراطيّة وصناديق الاقتراع، وبالأخصّ إذا تعلق الأمر "بالإسلاميين" من قريب أو بعيد، وهذان نموذجان حاضران بقوّة في هذا الشّأن:
1- النموذج الجزائري إبّان الفوز الكاسح للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البرلمانيّة عام1991 وما أعقب ذلك من مجازر واقتتالٍ أهلك الحرث والنّسل نتيجة فرض إلغاء "الدّيمقراطية" بأيدي الجنرالات المؤتمرين بأمر "مصدّري الديمقراطية" في الغرب.
2- النّموذج الفلسطيني وفوز حركة حماس ذات الخلفيّة الإسلامية كذلك في الانتخابات البرلمانية عام2006 بشهادة الرئيس الأسبق للولايات المتّحدة الأمريكية "جيمي كارتر" والذي كان مراقباً للانتخابات على الأرض بشحمه ولحمه، فهل منع هذا تداعي العالم بشرقه وغربه للانقلاب على الشّرعيّة "الدّيمقراطيّة" لحماس وحصار غزّة وما تبع ذلك من حروب ووَيْلات؟
بالوصول إلى الاستفتاء التركي كنموذج فارق حيث كانت النّسبة لصالح (نعم للتّعديلات الدّستوريّة) "بفارق ضئيل" فهي مقارنةً بالحالتين السّابقتين أقرب إلى الضّعف منها إلى القوّة إن اعتمدنا لغة الأرقام المجرّدة عن باقي العوامل، ولكنّ الحق يقال أنّ مَكمَن القوّة في الاستفتاء التّركي الأخير يرتكز إلى كونه نتيجةً بحد ذاته لا مقدّمة فحسب كما يتصوّر البعض، بمعنى أنّ صانع القرار التّركي حصَدَ فشلَ وخيبة المحاولة الانقلابية ومن وقف وراءها في 15 تموز ليَردّ لهم الصّاع صاعين بتنظيم هذا الاستفتاء والذي أدرك هو قبل الجميع أنّه ينطوي على مقامرة سياسيّة خطيرة فالواقع السّياسي الدّاخلي وقفَ بكلّيته تقريباً في وجه المحاولة الانقلابية إلّا أنّه لم يُعطِ وَعْداً بتكرار الوقفة لصالح التّعديلات الدّستوريّة، والنّتيجة أنّ ما وصَفه البعض "بالقمار السّياسي " أفضَى إلى مكاسب هائلة لمؤيّدي التّعديلات الدّستوريّة مهما كان الفارق ضئيلاً وهذه صِفة الرّهان وطبيعته ، مخاطرة كبيرة _ولكن بذكاء_ تعني ربحاً أكبر.
وفي مقاربةٍ أخرى، لم يكن النّموذج التّركي ليختلف عن النّموذجين السّابقين في شيء لو تمّ تنظيم الاستفتاء في ظروف طبيعية سابقة للانقلاب قبل كشف الأذرع المتآمرة المتغلغلة في الدّاخل التركي، بل كان سيُعَدّ بمثابة أمر العمليات ونقطة الصّفر للانقلاب على الشّرعيّة، لا فرق حينها ولو حاز مؤيّدو الدّستور على 99% من الأصوات أو أكثر أو أقلّ فالأمر سواء.
والخلاصة: قوَّتَكَ ثمّ قوّتَكَ ثمّ قوَّتَكَ ثمّ الدّيمقراطيّة ثمّ زِدْ ما شئت من القوة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس