نورس العبدالله - خاص ترك برس
أعلنت الهند منذ أيام التوجه بطلب رسمي للإنتربول الدولي لإصدار مذكرة اعتقال حمراء بحق الداعية الدكتور ذاكر نايك، ومذكرة حمراء تعني أنه هارب دولي من وجه العدالة يتوجب القاء القبض عليه في أي مكان وزمان وتسليمه للهند فورًا.
واستندت السلطات الهندية في طلبها على مجموعة تهم ظهرت دفعت واحدة وهي غسيل الأموال والكسب غير المشروع عن طريق مؤسسته وقنواته الفضائية بالإضافة إلى الكلام السابق بوصفه بالإرهاب واتهامه بالتحريض عليه.
سبق ذلك قرار هندي في منتصف آذار/ نيسان الماضي بمنع مؤسسة البحوث الإسلامية التي أسسها نايك من مزاولة أعمالها بذريعة حماية الأمن القومي ووصفت ذلك الإجراء بأنه مشروع لمنع التشدد الديني من الوصول إلى الناس والتسرب للبلاد.
رد الدكتور نايك مستنكرًا مطاردة السلطات الهندية له وقال: منذ ثمانية أشهر تطاردني لأنني أكثر الدعاة شهرة ولهذا السبب يودون أن يوقفوا نشاطاتي وأنا في كل المحاضرات التي ألقيتها هي بنفس النمط ولا تختلف عن المحاضرات التي قدمت في الأشهر الثمانية الماضية، وقال أنا أمثل الإسلام ولم أؤذي إنسان قط ولم أتمرد على أحد أو أدعو إلى الإرهاب.
بعرض سريع لسيرة نايك للقليل من الناس التي تجهل الرجل الشهير، فهو ذاكر عبد الكريم نايك المولود في مومباي في الهند في 18 تشرين الأول/ نوفمبر 1965 والحائز على إجازة في الطب من جامعة مومباي، ترك العمل الطبي وتوجه للعلوم الإسلامية ومقارنة الأديان وتتلمذ على يد الشيخ الجنوب أفريقي الشهير أحمد ديدات، حفظ القرآن الكريم والأناجيل وكتب اليهود والفيدال وأتقن عدت لغات وأنشا مؤسسة البحوث الإسلامية وهي مؤسسة غير ربحية عام 1991، وخاض المناظرات مع رجالات الأديان الأخرى وعلماء اللاهوت وحاور الملحدين وعقد المئات من المحاضرات يدعو فيها بالحكمة والعقل والموعظة الحسنة إلى الإسلام ويحاور علماء الأديان السماوية ويناقش أتباع الديانات الأخرى والملحدين بحوار سليم لا إكراه فيه ولا حرج، ويشرح صورة الإسلام وقيمه وتعاليمه ويرد على الأسئلة والاستفسارات، ويدحض الشبهات التي تلصق به.
نال عام 2015 جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام في المملكة العربية السعودية ويقيم فيها حاليا، وحاز على شهرة واسعة ومكانة علمية معروفة وأصبح واحدا من أكثر الشخصيات الروحية تأثيرا.
وبالعودة للحروب التي تشن على الداعية والمفكر ذاكر نايك فإنه يحظى بكره شديد و يتعرض لهجوم لاذعٍ مستمر من مجموعات من الملحدين واتباع بعض الديانات الأخرى وتفرد الصحافة ووسائل الإعلام العالمية لهم كل المساحات الممكنة لذلك، كما تم منعه من دخول العديد من الدول مثل كندا وأمريكا وبريطانيا لمجموعة من الأسباب منها مجموعة من أقواله على الملأ (كاليهود يتحكمون في أمريكا، الولايات المتحدة هي الإرهابي الأكبر في العالم، و هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر كانت من فعل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن).
وتعرضت قنواته ومراكزه للإغلاق والمنع، كما تعرض شخصيًا للتهديد بالقتل و تم التحريض على قتله علنًا من جماعات متطرفة شيعية وهندوسية وبوعود بجائزة مالية لمن ينفذ المهمة، مثال ذلك دعوة لقتله أعلنتها زعيمة حزب هندو تفا الهندوسية، ساد فيبار تشي، مكافأة قدرها خمسة ملايين روبية هندية من مالها الخاص، لمن يتمكن من قتل نايك، وقالت: "لقد قمت بعرض هذه المكافأة لأن ذاكر نايك ليس واعظًا دينيًّا، بل إرهابيًّا".
كل ذلك التضيق وتلك التهم الكيدية التي تلصق به وذلك التحريض الخسيس على قتله مرده لسبب لا يخفى على فطن وهو نبوغه الفكري وتفوقه الواضح أثناء خوضه المناظرات مع علماء الأديان وملحدين وتغلبه عليهم بالحجة والبرهان، كما أن رده و تفتيته لأكاذيب وافتراءات تلصق بالإسلام والمسلمين أزعج ضعفاء الفكر الذين لم يستطيعوا خوض المواجهة الفكرية السليمة وعرض ما لديهم من بضاعة فكرية للبشر ليختاروا بحرية بينها وبين ما يطرحه نايك، فالمبتغى الأساسي من إخفاء صوت نايك هو منع البشرية من سماع شرح حقيقي عن الإسلام.
ويطرح هنا السؤال من الذي يمارس الإرهاب الفكري ويحث عليه حقا هل الذي يدلي بآرائه السياسية ويشرح مبادئ دينه ومعتقداته دون إكراه أو ابتزاز أو قمع أحد أم الذين يستخدمون قوة السلطات الرسمية التي تدعي الحياد بين الأفكار والأديان لقمع صوت حر وإخماد شعلة فكر بحجج شتى، هل الذي يقول دائماً أن لا إكراه في الدين ويقول إن الإسلام حرم قتل أي إنسان إلا بالحق وأن قتل النفس البريئة كقتل البشرية جمعاء أم من سمع دعوات قتل والتحريض على قطع رأس مفكر لقاء المال وتجاهل الجريمة الثانية ولاحق العقل المفكر، أي عدالة عالمية تلك؟.
وأي عدل وإنصاف ومساواة واحترام لحرية المعتقد والتفكير والتعبير حين يتم قمع من يدافع ويشرح الإسلام ويدعو الناس للدخول إليه والبشرية لأخذ القيم منه وبالوقت نفسه يتم رعاية من يحض على ازدراء الإسلام أو يدعوا المسلمين لتركه والآخرين للحذر منه والتضييق على أتباعه ويهين تعاليمه وقيمه.
حقيقةً إنه انتقام العاجز الضعيف الجبان، ضعيف الفكر والحجة والبرهان، والذي ينتقم ممن عجز عن هزيمته بالحجة والحوار العقلي، وهو موقف لا أخلاقي يتخذه من يفتح الأبواب للتهجم على الإسلام ليل نهار.
إن ذلك يعني أن سلطات هذه البلدان تريد صوتا واحدا مسموعا وفكرا واحدا مطروحا يعادي الإسلام ويشوه من صورته ويزيد من الإسلاموفوبيا، ويروج للبشرية أن الإسلام هو مشكلة الحياة، ولا مكان لصوت يقول للجميع أن في الإسلام خير البشرية وسعادتها.
ولو أن الدكتور ذاكر أو أي كان أتخذ اساليب خسيسة واستغل الحاجة والعوز لدى بعضهم في تغيير أفكارهم ومعتقداتهم جاز حينها منعه ومحاكمته، ولو أنه قام كما قامت البعثات التبشيرية في أفريقيا والهند باستغلال الحاجة والجهل لحق لهم منع التشويش على الناس وسلبهم إرادتهم وعرض أفكار عليهم تحت الضغوط الناعمة.
أما والناس يتمتعون بالعقول المتزنة وبالحرية الفكرية والمعرفية والرجل يعرض بضاعته الفكرية فقط، ويعود الأمر لهم بأن يختاروا دينهم وعقيدتهم ولهم أن يسمعوا شرحًا آخر عن الإسلام وقيمه غير الكلام الذي يروجه كارهوا الإسلام أو لا يسمعوا، فهو عمل مشروع وأخلاقي والقيام بمنعه لهو من قبيل إجبار الناس ومنعهم من اكتشاف ومقارنة أفكارٍ عدة والحجر على عقولهم ومصادرة حريتهم.
وجميع المبررات التي تساق لقمع الحوار العقلاني والدعوة السلمية التي يسير عليها الدكتور نايك تبدو مهدورة لا قيمة لها وسوداء داكنة تهدف لمنع النور من الوصول إلى القلوب والأذهان.
ختامًا وقد فعلت السلطات الهندية ما فعلت أصبح القرار الآن بيد جهاز الإنتربول الدولي، ويطرح سؤال مهم هنا، هل الإنتربول الدولي ملزم بإجابة طلب الهند...؟
حقيقةً إن الإنتربول الدولي ليس ملزمًا بقبول الطلب بل يجب عليه دراسة المذكرة بجدية كبيرة، وقد قام الإنتربول سابقًا برفض مذكرات وطلبات صادرة من دول عديدة منها رفض طلب الكويت عام 2010 اعتقال وتسليم المواطن الشيعي ياسر الحبيب الهارب من تنفيذ أحكام حبس لمدة 20 عاما، وقد برر الجهاز الدولي رفضه رسميًا إصدار مذكرة الاعتقال، لأن جريمة "الحبيب" تولدت نتيجة أفكار ومعتقدات مذهبية ودينية، لا يجب عقابه أو محاكمته عليها...!!!
لذلك فيتوجب على هذا الجهاز الدولي الذي يمثل قيمًا إنسانية تقدس حرية الفكر والرأي ظاهريًا والقضية من الوضوح والشخصية من المعرفة والبيان وكلام الداعية ومحاضراته علنية غير سرية أن ترد الطلب تمامًا، وفي حال قبوله للطلب الهندي تنتقل المسؤولية الأخلاقية والإسلامية والإنسانية إلى المملكة العربية السعودية التي يتوجب عليها أن تحمي حرية الفكر والعلم والعدالة من خلال رفض تسليم رجلٍ مظلوم والدفاع عنه مهما كان الثمن وفي حال لم تفعل المملكة ينتقل الواجب لدولة كبرى هي تركيا التي كانت ملاذ المظلومين من قبل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس