ترك برس
على الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهتها لإقليم شمال العراق، للتراجع عن قرار الاستفتاء، والتلويح بالعديد من العقوبات، لم تستطع تركيا دفع الإقليم للعدول عن قرار الاستفتاء. ترى تركيا أن هذا الاستفتاء قد يدفع حزبي العمال الكردستاني، المحارب لها، والاتحاد الديمقراطي "الكردي السوري" لاتخاذ إجراءات انفصالية موسعة. وفي ضوء ذلك، تدعي تركيا وجود الكثير من الركائز الشرعية التي تمنحها الحق في اتخاذ عقوبات ضد الإقليم في حال حاول تفعيل نتيجة الاستفتاء، فما هي هذه الركائز، وما هي العقوبات التي يمكن أن تتخذها بحق الإقليم؟
إن الذريعة الأولى التي يمكن لتركيا أن تستند إليها في تنفيذ عقوباتها، هي قرار تمديد برلمانها التفويض الصادر في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2014، والذي يسمح لها بإرسال قوات مسلحة خارج البلاد، خاصة إلى سوريا والعراق، بهدف درء المخاطر الخارجية، إذ يمكن اعتبار هذا القرار بمثابة "قواعد اشتباك" مُعلنة مسبقاً ضد تحرك الإقليم في طريق الاستقلال أو الانفصال. وتُعد "قواعد الاشتباك" تحذير قانوني مسبق تركن إليه الدول لتحذير أطراف أخرى من انتهاك حقوقها أو مصالحها القومية.
وفي هذا السياق، يمكن لتركيا التنسيق مع الحكومة العراقية أو الحكومتين العراقية والإيرانية وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على حق دولة ما في استدعاء دولة أو دول أخرى للتعاون في صد أي خطر يهدد أمنها أو أمنهم المشترك.
وفي هذا الصدد، لا يمكن إغفال اتفاقية أنقرة المُبرمة، عام 1926، بين تركيا وبريطانيا والعراق، والتي تقضي في مادتها الأولى بتنازل تركيا عن الموصل للعراق، وتشترط في مادتها الخامسة بأن الطرفين، تركيا والعراق، يتعهدان بأن هذه الحدود لن تتغير. وانطلاقاً من هذه النقطة، يمكن أن تتحرك تركيا بذريعة تعرض الحدود للتغيير.
أيضاً، يحق لأنقرة الاستناد إلى اتفاقية التعاون وأمن الحدود المُبرمة بينها وبين بغداد عام 1982، والتي تمنحها حق الدخول لمسافة 10 كيلومترات ضمن الأراضي العراقية، لتأمين حدودها.
وفي إطار استناد تركيا على هذه الذرائع، قد تتخذ بعض الإجراءات العقابية ضد الإقليم، كإيقاف تدريب قوات البيشمركة في مخيم "بعشيقة" التدريبي، وإيقاف الرحلات الجوية والتنقل البري الحر المتبادل، وإغلاق الأجواء السيادية أمام طائرات الإقليم، وسحب أصول الشركات الاستثمارية التركية، وربما الانتقال إلى عمل عسكري محدود في بعض مناطق الإقليم، لا سيما محيط جبل قنديل الذي يستوطنه عناصر حزب العمال الكردستاني، وغيرها، لكن يبدو أن هذه العقوبات لا يمكن تنفيذها كحزمة واحدة لعدة اعتبارات:
ـ التبادل الاقتصادي المتبادل الوثيق بين الطرفين، والذي أدى إلى تقديم فائدة اقتصادية متبادلة بنحو 11 مليار دولار.
ـ العلاقات الدبلوماسية الوثيقة بين تركيا والإقليم، والتي تعود إلى عام 1987، والتي نشأت بدافع الرغبة التركية في الحيلولة دون إحداث إيران وحزب العمال الكردستاني أي نفوذ في الإقليم.
وانطلاقاً من ذلك، يبدو أن تركيا قد تتبع سياسة متزنة في تعاملها مع تحركات الإقليم، مخافة النتائج العكسية التي قد تصيب مصالحها القومية الاستراتيجية بالتأثير السلبي، كاحتمال تعاظم النفوذ الإيراني والحشد الشعبي المحسوب على إيران في الإقليم ومحيطه، أو جنوح الإقليم لتعزيز تعاونه الدبلوماسي والعسكري مع إسرائيل، أو البحث عن سبل بديلة لتركيا لتصدير النفط، كالتفاهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، برعاية أمريكية.
يسود القلق المشهد الإقليمي، وسط الحديث عن احتمالات عدة للإجراءات التركية، غير أن احتمال دعم تركيا لسيناريو تحويل العراق إلى "دومينيون" "ولايات متحدة تتمتع كل ولاية بصلاحيات داخلية وخارجية موسعة ومتساوية"، إلى جانب التعاون مع إيران والعراق، لإجراء منافسة دبلوماسية وعسكرية أكثر حدة مع النفوذ الإسرائيلي المتنامي في الإقليم، هو السيناريو الأكثر رجوحاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس