أحمد طلب الناصر- خاص ترك برس
أجرت شبكة "زدني" للتعليم، على موقعها الإلكتروني، تحقيقاً بعنوان " التلاميذ السوريون في إسطنبول.. أسباب التسرب من المدارس والتسول في الشوارع"، تناول من خلاله أسباب انقطاع وتسرّب الأطفال السوريين من المدارس، وكما هو واضح من العنوان، فقد جعل كاتب التحقيق السبب الرئيس لتلك المشكلة هو التسوّل في شوارع المدينة ووسائل نقلها. وهذا بعض ممّا ورد في التحقيق:
"وخلال عمليات البحث المستمرة لـ "شبكة زدني" التي حاولت دراسة أوضاع الطلاب السوريين في إسطنبول التي تعتبر إحدى أكبر المناطق التي تضم السوريين، فإنه تم معاينة عدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن الـ ٨ إلى ١٦ عامًا يعملون في بيع “المناديل” الورقية، أو المياه في المواصلات العامة، إضافة إلى عمليات التسول الكبيرة، وذلك من خلال تقبيل أيدي المسافرين، وعدم تركهم إلا في حال الحصول على المال؛ مما يعرِّض الأطفال في كثير من الأحيان إلى توبيخ من قبل المسافرين. وعاينت "شبكة زدني" أيضًا أن غالبية الأطفال الذين يعملون أو المتسولين لديهم عدم اهتمام بالنظافة، فتجد عددًا منهم بلا أحذية، ودون ملابس مناسبة للأجواء المختلفة في إسطنبول، إضافةً إلى عدم الاهتمام بالنظافة بشكل مطلق".
ممّا سبق، نلاحظ أن الزميل الكاتب بالغ كثيراً في ربط مشكلة التسرّب بالتسوّل، خاصة وأنه اعتبر المتسوّلين "أطفال سوريين"، ممّن هم في عمر الدراسة، "متسربين" من المدارس، وأغفل حقيقة يدركها غالبية السوريين في إسطنبول وغيرها من المدن التركية بأن "مهنة" التسوّل تتعارض تماماً مع رسالة التعليم، والمتسولين يرفضون الالتحاق بالمؤسسات التعليمية. فالأطفال الذين أشار إليهم الزميل الكاتب هم في الأساس أبناء لعائلات امتهنت التسوّل داخل سوريا منذ ما قبل الثورة والحرب الدائرة فيها، وجلّهم من أصول متحدّرة من قبائل "القرباط" و"النوّر" الذين يتوزّعون في كافة دول المنطقة، فنجدهم في لبنان وفلسطين والأردن العراق وشمال سوريا وجنوب تركيا، بعضهم يسكن الخيام كما في شمالي سوريا، والبعض الآخر يسكن بيوت الصفيح كما في البقاع بلبنان وساحل طرابلس، وقلّة منهم تسكن بيوتاً حجرية بسيطة موزّعة هنا وهناك كما في جنوبي تركيا، ويتقنون عدة لغات من بينها العربية بلهجة خاصة بهم قريبة إلى اللهجة البدوية إلا أنهم ليسوا من البدو العرب أو الأعراق السورية الأخرى.
ودافع هؤلاء إلى ترك المدرسة ليس الفقر بطبيعة الحال، وهم ليسوا فقراء أصلاً، وإنما الدافع الرئيسي هو مهنة التسوّل كما ذكرنا، وقد استغلت العائلات التي ذكرناها تواجد السوريين في المدن الكبرى كأنقرة وإسطنبول ومرسين ودفعوا أطفالهم للتسول باسمهم، ما دفع الحكومة التركية لاتخاذ بعض الإجراءات بسبب زيادة الظاهرة عن الحد المقبول. حيث ينشط معظم أولئك الأطفال بداخل وسائل النقل الداخلي "الميترو والميتروبوس" وغيرها، أما كبار السن والنساء منهم فيجلسون عند المساجد أو الأسواق المكتظة وهم يحملون هوية أو جواز سفر سوري، غالباً ما يكون مسروقاً أو مزوراً، أو لافتة مكتوب عليها بالتركية "بان سوريَلي" مدّعين أنهم لاجئون يعانون الفقر.
ومنذ العام 2013 أشار إليهم محافظ إسطنبول بالقول إنّ "الحكومة التركية ستتخذ إجراءات جدية حيال فئة "مدّعية" بأنها سورية، وبعض السوريين، ممن يُقلقون سكان مدينة إسطنبول ويسيئون لسمعة الشعب السوري" وأشار بصفة خاصة إلى المتسولين. وهذا يعني بأن أكبر سلطة في إسطنبول تدرك هذه الحقيقة، ولكن الزميل تسرّع في إطلاق هذه الصفة على عموم الأطفال السوريين.
والجدير بالذكر أن السوريين القاطنين في تلك المدن الكبرى هم إما من أفراد الطبقة الغنيّة من تجّار وأصحاب مصانع ومعامل ومطاعم ومحال كبرى. أو الوسطى من أطبّاء يعملون في مستوصفات خاصة بالسوريين، ومعلّمين في المدارس، أو عاملين في المعامل والمطاعم والمحال التركية والسورية، ما يعني بأنهم فوق خط الفقر المؤدّي إلى حالات التسوّل أو التسرّب من المدارس. بل وحتى اللاجئين المتواجدين ضمن المخيمات والمدن الحدودية ممّن فقدوا منازلهم وأموالهم في الداخل السوري يأبون العمل في تلك المهنة الوضيعة، كما أن الحكومة التركية وبعض المنظمات تقوم بتأمين مستلزمات عيشهم.
وهنا، نتمنى على الزميل صاحب "التحقيق الميداني" توخّي الدقّة في استخدام المصادر والعيّنات، وعدم الانجرار إلى التسرّع في طرح التعميمات المهلكة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس