حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس
أدلى الرئيس أردوغان بتصريح جديد أشار فيه إلى أن عملية غصن الزيتون التي تنفذها القوات المسلحة التركية في منطقة عفرين ستواصل تقدمّها إلى أن تحقق جميع غاياتها التي تهدف إليها، وستتابع بعدها المسير نحو منبج من أجل القضاء على مركز الإرهاب، ويجب أن لا يتسبب ذلك بالانزعاج لأي أحد لأن منبج ليست للإرهابيين إنما أصحابها الحقيقيين هم أهل المنطقة من الأخوة العرب، وأضاف أردوغان أن الحكومة التركية ستوجّه أنظارها إلى الحدود العراقية عقب الانتهاء من القضية السورية وتستمر في مكافحة الإرهاب إلى أن لا تبقِ أي إرهابي جوار حدودها.
أدى هذا التصريح إلى صمت عميق لدى الجهات الأخرى وعلى رأسها دول الغرب، لأن تركيا صرّحت لعدة مرات بأنها لن تسمح بتأسيس ممر إرهابي يهدد حدودها وبالتالي أمنها القومي، في البداية اتبعت أمريكا والدول الغربية الأخرى سياسة التجاهل تجاه حساسية تركيا حيال مسألة الإرهاب، لكنها لن تتمكن في الاستمرار في ذلك الآن، إذ تصرفّت تركيا بشكل يؤكد أنها قوة عظمى، أجرت مباحثاتها الدبلوماسية على أكمل وجه وبدأت بعدها بتنفيذ عمليتها العسكرية، واستطاعت تحقيق نتائج بارزة بدليل أن القوات المسلحة التركية تواصل القضاء على الجهات الإرهابية في منطقة عفرين.
أجرت تركيا معظم مباحثاتها حول عملية عفرين مع روسيا، فيما ستعطي الأولوية لإجراء المباحثات مع أمريكا حول منطقة منبج، كما يمكننا القول إن تركيا قد بدأت بالمفاوضات، إذ نلاحظ أن أنقرة تعيد ذكر مسألة منبج في كل اتصال تجريه مع حلفائها الاستراتيجيين في أمريكا.
هناك بعض الوعود التي قدمتها الجهات الأمريكية في هذا الخصوص، وكان أحدها ينص على عدم السماح بعبور قوات حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الضفة الغربية من نهر الفرات، لكن استمر الحزب باحتلال المنطقة تحت اسم مكافحة تنظيم داعش، في تلك الفترة لم تكن تركيا قادرةً على الضغط فيما يخص مسألة منبج لأنها كانت منشغلةً بمواجهة أزمات أخرى، لكن في الوقت الحالي بدأت أنقرة بتنفيذ عمليات تمشيط للقوى الإرهابية بدءاً من غرب سوريا إلى شرقها، وبعد الانتهاء من عملية عفرين لن تبق أي حواجز أمام تركيا، وستواصل تحقيق أهدافها التي وضعتها مسبقاً خلال استراتيجيتها حول القضية السورية.
لكن يجب أن ندرك أن ذلك لن يكون بالأمر السهل، لأن إقناع أمريكا بالموافقة على توقعات تركيا في هذا الخصوص سيكون أمراً صعباً جداً، لأن منبج وحزب الاتحاد الديمقراطي هما القلعة الأخيرة التي تمثل وجود أمريكا في الأراضي السورية، وبطبيعة الحال لن ترغب أمريكا في التخلي عنهما بهذه البساطة لأنها قدمت الكثير من الدعم اللوجستي لحزب الاتحاد الديمقراطي وساهمت في تدريب عناصره، أي أن أمريكا تحتاج إلى مبررات قوية للتخلي عن هذه الاستثمارات.
هذه الاستثمارات ليست شيئاً لا يمكن التخلي عنه بالنسبة إلى أمريكا، إذ شهدنا مسبقاً على عدة مواقف تثبت أن أمريكا جاهزة للتخلي عن أي شيء في أي وقت، والسبب في ذلك هو أن أمريكا لا تهتم بالاستثمار المادي لطالما أنه لا يعود لها بالفائدة الاستراتيجية، أي أن أمريكا تهتم بحزب الاتحاد الديمقراطي من أجل المراحل المقبلة في سوريا، وترى أنه بمثابة ورقة رابحة والأداة الوحيدة التي يمكنها استخدامها خلال الصراع الموجود في المنطقة، ويبدو أن هذا هو السبب الوحيد في عدم تخلي أمريكا عن الحزب.
ولكن أمريكا ليس لديها مخطط واضح فيما يتعلق بالقضية السورية، لذلك تقدم الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي من أجل مستقبل مجهول، وهذا يعني أن أمريكا قد تغير أولوياتها بناء على التطورات التي سنشهدها خلال الأيام القادمة، على سبيل المثال إن تشكلّت عداوة جديدة ضد إيران فإن واشنطن ستجري حساباتها بناء على إيران وليس سوريا، وحينها سترغب في التقرّب من تركيا بدلاً من حزب الاتحاد الديمقراطي، أو أن تركيا ستعطي أهمية أكبر لأمريكا في حال ازدادت قوة روسيا في إطار الصراع السوري، وحينها ستنشأ فرص جديدة لإجراء المفاوضات بين الحكومتين التركية-الأمريكية، وفي جميع الأحوال ازداد الاهتمام بتركيا بعد أن أثبتت قوتها من خلال مداخلاتها العسكرية في الساحة.
لا داعي للعجلة في التقييم والتوقعات لأن الحرب الجارية في سوريا لن تنته خلال فترة قصيرة، في حين أن وجود احتمال تحول حزب الاتحاد الديمقراطي إلى جهة مشروعة يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى تركيا، وهذا أمر متوقّع بشدة، لذلك لا بد من القضاء عليه في أقصر وقت ممكن، لكن إن لم تكن الظروف موائمة لذلك فيجب الانتظار إلى أن تتشكل الأجواء المناسبة، لنذكر "برازاني" على سبيل المثال، حتى برازاني لم يتمكن من الوصول إلى تحقيق غايته وتأسيس دولة كردية مستقلة على الرغم من حصوله على بنية تحتية محمية في شمال العراق منذ عشرات السنين، لأن مثل هذه الأشياء قد تستغرب وقتاً طويلاً جداً، إذ لا يمكن تأسيس دولة بهذه البساطة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، يمكن أن ينتظر لسنوات عديدة في سوريا ويحاول تأسيس دولة مستقلة، لكن يمكن لهذه الدولة أن تنهار في غضون يوم واحد، لذلك ليس هناك ما يدعو للقلق تجاه هذه المسألة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس