تيمور أحميدوف -  المجلس الروسي للشؤون الدولية (RIAC) - ترجمة وتحرير ترك برس

مثلت إيران منذ فترة طويلة صداعا للتخطيط الاستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط. وقد أثارت بعض الأحداث المترابطة جولة جديدة من النقاشات حول تأثير إيران التخريبي في المنطقة: التراجع الكبير للدور العالمي للولايات المتحدة، وقرارها إعادة النظر في الالتزامات الحالية تجاه الحلفاء الإقليميين، والصعود الأخير لصورة إيران في الصراعات الكبرى في الشرق الأوسط. ليست إيران لاعبا عاديا، ويرجع ذلك أساسا إلى نظامها السياسي الغريب، ورؤيتها الأيديولوجية للمنطقة، وحصانتها المذهلة في مواجهة الضغط الخارجي. وقد أعطت الولايات المتحدة إشارات على أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي إذا شكل التوسع الإيراني تحديا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وكانت الولايات المتحدة واضحة أيضا بأنها لن تسعى إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران، بل ستعتمد بدلا من ذلك على التعاون مع لاعبين إقليميين آخرين. وهذا يجعل من الضروري تقييم الدور الذي ستضطلع به تركيا الحليف الرئيسي للناتو، في المستقبل فيما يتعلق بالخطط الأمريكية للحد من التوسع الإيراني في الشرق الأوسط.

وقد أخذت مخاوف واشنطن من تزايد النفوذ الإيراني في أعقاب الاتفاق النووي عدة اتجاهات. وكانت القضية الرئيسية التي أقلقت واشنطن التقدم التكنولوجي الإيراني الذي من المحتمل أن يزيد من قوة النظام وقدرات الردع لديه. ومن دواعي القلق الأخرى الأنشطة الإيرانية السرية التخريبية في عدد من دول الشرق الأوسط، حيث يعتمد وكلاء إيران على مساعدة وخبرة طهران. وتُدعم العمليات الإيرانية في المنطقة بالجهود الرامية إلى التسلل في السلطات الإقليمية عن طريق إنشاء أحزاب سياسية وعسكرية غير وطنية وذات أجندات وولاء لإيران.

وأخيرا، وكما تشير التجربة السابقة في التعامل مع إيران، فإن نظامها السياسي يتكيف بدرجة كبيرة مع الضغوط الخارجية، حيث يزود مفهوم "اقتصاد المقاومة" النظام بأدوات لتحمل العقوبات الاقتصادية، ومن ثم فإن هذه الأداة تجعل ترسانة الدبلوماسية الأمريكية أقل فعالية. ولا تقتصر نجاعة هذه الأداة على تمكين النظام من مواجهة منافسيه السياسيين المحليين فحسب، حيث تمكنت إيران من تطوير علاقاتها مع لاعبين إقليميين وعالميين آخرين، الأمر الذي يجعل خطط عزل إيران أقل صوتا.

ويبدو أن إدارة ترامب، رغم أنها لم تظهر فهما جيدا لسياسة المنطقة، تتصرف ضد إيران استنادا إلى تقييمها لمحاولات الإدارات السابقة للحد من صعود قوة إقليمية لها نوايا تخريبية. ويشمل العنصر الرئيسي للسياسة الجديدة المناهضة لإيران عقوبات على  العناصر المهمة في النظام التي تتمتع بمركز مهيمن داخل النظام السياسي الداخلي الإيراني وتعمل كوسيلة للسياسة الخارجية للنظام. وهناك جزء أساسي آخر من الاستراتيجية الأمريكية المقبلة لمواجهة إيران يرتبط ارتباطا مباشرا بتقييد واشنطن لتدخلها المباشر في المنطقة.

وتعتزم الإدارة الأمريكية تسهيل التنسيق بين القوى الإقليمية الكبرى التي تخشى أن تشكل إيران تهديدا خطيرا لمصالحها الخاصة. وفي هذا السياق، يمكن تعزيز التضامن العربي والتدخل السعودي في السياسة العراقية. وفي ظل هذه الخلفية، من المرجح أن يقوم صناع القرار في كلا البلدين بمزيد من التدقيق في دور تركيا في محاولة الولايات المتحدة لتحجيم إيران.

وبطبيعة الحال، لا يمكن تقصي هذه المسألة دون اللجوء إلى تاريخ التعاون الأمريكي التركي في صراعات الشرق الأوسط. ومنذ الخمسينيات، وهي الفترة التي شهدت فيها المنطقة مشاركة متزايدة من جانب الولايات المتحدة، استُخدمت تركيا بشكل متزايد كمنصة للعمليات الاستراتيجية الأمريكية. وتكشف الأزمات التي وقعت في سوريا في عام 1957 وفي لبنان في عام 1958، وكذلك الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، أن واشنطن تميل إلى تفضيل المشاركة غير المباشرة لتركيا في الأزمات التي تظهر في جوارها الاستراتيجي. ومن بين التفسيرات المحتملة لإحجام الولايات المتحدة عن استخدام تركيا بشكل فعال ضد إيران هو احتمال كبير لتأثير سلبي شديد على الاستقرار السياسي في تركيا نفسها. ويمكن أن يربط بهذا التفسير وجهةُ نظر المؤسسة الحاكمة الأمريكية في طبيعة النظام السياسي في تركيا ورؤيته للشرق الأوسط.

بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، وتوسيعه من الإصلاحات السياسية تمكن الحزب من أن يجلب إلى العملية السياسية كتلة أوسع من السكان الأتراك، الأمر الذي يغير الجانب الاجتماعي لعملية صنع القرار. وعلاوة على ذلك فإن الاقتصاد الوطني المتنامي والنشاط الدبلوماسي قد زودا الحكومة التركية بمزيد من الموارد لإدارة سياسة خارجية مستقلة، بما فى ذلك موقفها من شؤون الشرق الأوسط. كما أن تحسين القدرة على اتخاذ موقف مستقل بشأن القضايا الرئيسية مكن تركيا من التعامل مع إيران وفقا لمصالحها الوطنية، بدلا من اتباع الخطط الأمريكية. وعلى ذلك فمن المنطقي القول إن الدور التركي في الاستراتيجية المناهضة لإيران سوف يحدد على الأرجح من خلال وجهات نظر أنقرة حول النفوذ الإيراني في المنطقة ومن العلاقات الثنائية.

وغالبا ما يشار إلى تاريخ طويل من التفاعل باعتباره أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في التفاهم المتبادل بين إيران وتركيا، وهذا العامل هو التعاون في الشؤون الاقتصادية والتجارية التي تقود العلاقات الثنائية. وتمثل إيران أكثر من 17٪ من إجمالي واردات الغاز الطبيعي التركي، مما يجعل من طهران محاورا وشريكا مهما في خطة أنقرة في أن تصبح مركزا رئيسيا للطاقة بين المناطق الغنية بالموارد وأوروبا. وعلاوة على ذلك، تخطط تركيا لدخول السوق الإيرانية وإعادة حجم التجارة إلى مستواه في عام 2012، قبل أن توقف عقوبات الأمم المتحدة العلاقات التجارية الثنائية.

وعلى ذلك فإن أمام الديناميات الإيجابية فرصة كبيرة لتعزيز العلاقات التركية الإيرانية في المجالين السياسي والأمني ​​أيضا، ولا سيما حاجة البلدين إلى احتواء القومية الكردية الأمر الذي يدفعهما إلى مزيد من التقارب وتكثيف الحوار. إن دعم الولايات المتحدة للميليشيات الكردية السورية وخططها طويلة الأمد للاحتفاظ بوجودها العسكري المحدود في شمال سوريا يضغط بالفعل على العلاقات بين أنقرة وواشنطن، كما أن التردد في التوصل إلى حل توفيقي حول مسألة الأكراد السوريين بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي قد يدفع تركيا إلى النظر بجدية في التعاون العسكري والسياسي مع إيران في سوريا والعراق.

على أن هناك بعض القضايا السياسية التي قد توتر العلاقات بين القوتين الرئيسيتين في المنطقة. وقد أثار التقدم الأخير الذي حققته إيران في الجوار الجغرافي لتركيا قلقا كبيرا لدى المسؤولين والدبلوماسيين الأتراك. لكن القيادة التركية التي تراقب تعزيز إيران لهيمنتها في سوريا والعراق رأت أن تتبنى موقفا أكثر تصالحية وأن تشارك في تدابير من شأنها أن تقلل من خطر المواجهة المباشرة مع وكلاء إيران في هذين البلدين اللذين يعانيان من الصراعات. وقد كان نفس الخط العقلاني وراء رفض أنقرة للصراع بين إيران والمعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة.

وفي ظل هذه الخلفية، ستتخذ تركيا موقفا في إطار المبادرات الأمريكية ضد إيران. ومن المحتمل أن يكون لدى تركيا دوافع قليلة للعمل علنا ​​ضد إيران؛ لأن الولايات المتحدة تقلل من التزاماتها وتدخلها في المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإن تركيا مع ضعفها أمام الصدمات الخارجية ليست مستعدة للتورط مباشرة ضد إيران. وبناء على ما سبق لا ينبغي أن نستبعد إمكانية أن تكون تركيا حريصة على التفاعل مع إيران وانتزاع تنازلات في الأوقات التي تواجه فيها الأخيرة محاولات القوى الإقليمية لتقييد صعودها. وأخيرا، ففي حين تعتبر هذه المبادرات فرصة مثالية للحصول على موقف تفاوضي أفضل مع إيران بشأن قضايا التعاون المتبادل، فإن أنقرة سوف تكون ضد أي جهود مناهضة لإيران تتجه نحو صراع عسكري واسع النطاق.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس