ترك برس
هو "نجيب فاضل قيصا كورك"، شاعر وكاتب ومفكر تركي وإسلامي، ولد في إسطنبول عام 1904 ﻷسرة غنية، عمل والده في عدة مناصب قانونية في الدولة، وكان قاضيا في منطقة كاديكوي بإسطنبول، أما أمه فكانت مهاجرة من كريت.
كان جده حلمي أفندي رئيس محكمة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. وقد تأثر نجيب بجده الذي اعتنى به، وتعلم منه القراءة والكتابة والقرآن الكريم وهو في سن الخامسة.
في سنة 1912 سجله جده في مدرسة فرنسية. وبعد فترة قصيرة انتقل إلى المعهد الأمريكي "روبرت" وهو من أرقى المؤسسات التعليمية آنذاك وبسبب مشاغبته طرد منه، وانتهى المطاف بالطفل المدلل إلى مدرسة أمين أفندي التركية.
التحق نجيب فاضل بمدرسة الفنون البحرية الشاهانية عام 1916، فبدأت توجهاته تتضح ومواهبه تتفتح، واكتسب لقب "الشاعر" في المدرسة، كما أصدر فيها عددا من المجلات التي خطها بيده.
وفي مرحلته الجامعية التحق بقسم الفلسفة في كلية اﻵداب في جامعة إسطنبول، وتعرف إلى عدد كبير من الأساتذة والطلاب بينهم يعقوب قدري (المشرف على المجلة الجديدة) ونشر فيها لنجيب العديد من أشعاره التي امتازت انذاك بالطابع الصوفي.
بعد تأسيس الجمهورية التركية بعام ذهب نجيب في بعثة حكومية إلى باريس بعد اجتيازه لامتحان المنحة، لمتابعة دراسته بقسم الفلسفة في جامعة السوربون.
وعاش فيها حياة الترف والغواية والجموح، ووصف نفسه قائلا: "ما انا إلا متشرد على وجه البسيطة، ما أنا إلا متسكع فيها."
عودته إلى التصوف
لم يكن تحول نجيب فاضل إلى التصوف مصادفة، ولا ردة فعل لحياة المجون، فعندما كان في المدرسة البحرية كان متأثرا بالتراث اﻹسلامي التصوفي.
بعد ان أهدى له أستاذه بالمدرسة"إبراهيم عشقي" كتابين مهمين أثرا في حياته "ثمرات" و"ديوان نقشي" رجع إليهما بعد تدينه وتوبته. كما أثر اﻷستاذ عشقي في جميع إتجاهاته الفكرية والعلمية، من اﻷدب إلى الفلسفة ومن الرياضيات إلى الفيزياء.
إلا أن حياة نجيب فاضل بعد لقائه بالشيخ عبد الحكيم اﻷوراسي من شيوخ الطريقة النقشبندية، قد تحولت فيقول نجيب عن لقائه به "كان لي لقاء مع شيخي ومرشدي الولي الكبير السيد عبد الحكيم أوراسي... وما أن دخلت عليه وتأملت وجهه حتى أحسست بأن شيئا يهز أعماقي هزا... ولما سمعت كلامه تخيلته يمسك عصا سحرية يوجهني بها حيث يشاء... كنت أجلس بين يديه كما يجلس المريد بين يدي شيخه... لقد مسح الشيخ عن قلبي كل الأدران والحجب التي رانت عليه... ومن أجله كتبت كتابي "هو وأنا" في العام نفسه، و استمرت صلتي به لتسع سنوات، كنت خلالها دائم التردد عليه."
وسئل نجيب فاضل في إحدى زياراته للجزائر منذ سبعين عامًا من قبل صحفي جزائري "هل كانت الدولة العثمانية استعمارية؟"، فأجابه: "لو كانت الدولة العثمانية استعمارية لسألتني السؤال باللغة التركية لا بالفرنسية."
شعره وحياته اﻷدبية
نشر نجيب كتاب شعره الأول "بيت العنكبوت" وهو ابن إحدى عشرة سنة، بعد ذلك اشتهر بكتاب شعره "اﻷرصفة" في 1928، وكتب بالحروف العثمانية، ولقب بعد نشره بشاعر الأرصفة.
وفي عام 1972 أصدر ديوانه تحت عنوان "لوحات من السيرة المقدسة"، وصدرت الطبعة الثانية منه بعد عشر سنوات، ويتألف من 63 قصيدة، تتحدث كل قصيدة منها عن شخصية النبي محمد ﷺ، وكتبها بروح صوفية عميقة.
قصيدة الزمان
من قصائد الديوان، تتحدث عن السمات العامة للسيرة النبوية الشريفة:
حتى ذلك اليوم كان الزمان بكرة ملفوفة ثم فكت خيوطها
النجوم في السماء سكرى و الأرض أغطش ليلها
وتتناول أشعاره العديد من الموضوعات الفلسفية العميقة، كقضايا الوجود والهوية والمعرفة، ومن أهم هذه اﻷشعار قصيدة بعنوان "العذاب" قال فيها:
رحل عنا صدق هو الخلود..
وحل فينا كذب هو الفناء..
فمن يحييكم أيتها الجثث..
يا أموات اﻷحياء ولو تعلق جبل "قاف" في العقل لما وزن شعره مثقالا..
لكن شعره من عفريت هذا السؤال لا يطيقه العقل سؤالا..
نال العديد من الجوائز أشهرها جائزة "سلطان الشعراء" الذي حصل عليها من وقف الأدب التركي عام 1980، وبقي هذا اللقب راسخا في عقول الشعب التركي.
توفي "سلطان الشعراء" عام 1983 في إسطنبول، مخاطبا الموت قبل وفاته ببيت شعري:
"الموت شيء جميل يخبرنا ما وراء اﻷستار، لو لم يكن جميلا أكان يموت النبي؟"
توفى نجيب فاضل مخلفا وراءه ما يربو عن مئة كتاب في السياسة والتاريخ والشعر، كما كتب عددًا من الروايات والمسرحيات التي ترجم بعضها إلى العربية، مثل مسرحية "خلق إنسان" التي تتحدث عن الموت والخوف من النهاية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!