ترك برس - ديلي صباح
تفخر إسطنبول - المدينة التي لا تنام - بأول مكتبة في تركيا تفتح 24 ساعة طوال الأسبوع، والتي تستقطب بعض عشّاق الكتب الذين يظلون حتى منتصف الليل، ويأتي بعضهم من مسافات تصل إلى 60 كيلومتراً.
فقد وفّرت واحدة من أولى مخازن المراجع في عهد الجمهورية التركية، مكتبة أتاتورك في إسطنبول، خدمة فتح أبوابها 24 ساعة طوال الأسبوع منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما أدى إلى ازدياد مطّرد في عدد الزوار.
صُمّم بناء المكتبة سداسيّ الأضلاع غير الاعتيادي في سبعينيات القرن الماضي من قبل المهندس المعماري الشهير سداد حقّي إلدِم الذي كان له تأثير مهمّ على المظهر الوطني للبلاد.
تقع المكتبة في منطقة تقسيم - قلب المدينة التي تضم أكثر من 15 مليون نسمة - على بعد دقائق من المشي من منطقة مزدحمة بالمطاعم والمقاهي. وقد يُفاجأ زائر عادي للمكتبة في العاشرة مساءًا بازدحام المكتبة بالزوار وسط الأسبوع.
في مساء الثلاثاء كان بعض زوار المكتبة يتبادلون أطراف الحديث في الحديقة؛ وآخرون يدرسون والبعض يقرؤون كتباً، ويتوقفون بين الفينة والأخرى للاستمتاع بالمنظر الأخّاذ لمدينة إسطنبول.
التقيت مسلم كايباس أحد زوار المكتبة، وهو موظّف بنك يبلغ من العمر 31 عاماً، يقول إنّه يزور المكتبة للدراسة كل يوم تقريباً خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ذكر مسلم أنّه بات ليلته في المكتبة عدة مرات وهو يحضّر لامتحان منصب الإدارة، وقال: "في الساعة الخامسة من صباح أحد الايام لم أكن أشعر بأنّني على ما يُرام، أذكر أنّني أويت كالقطّة بجانب التّدفئة".
يدرس كاياباس في المكتبة حتى الساعة 12:45 بعد منتصف الليل عندما يحين موعد مرور الباص الأخير الذي يذهب إلى بيته.
يقول نائب مدير دائرة المتاحف والمكتبات في بلدية إسطنبول رمضان إلماس إنّ المدينة قرّرت فتح المكتبة 24 ساعةً في اليوم طوال الأسبوع بسبب كثافة الطلب من قبل القُرّاء مثل كاياباس.
ويشير إلماس إلى أنّ نحو 600 زائر يأتون إلى المكتبة بشكل يومي، مضيفاً أنّ الرقم بتزايد منذ افتتاح المكتبة طوال اليوم في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وبسبب بُعد مكتبات بعض الجامعات التي تفتح في فترة الامتحانات الفصلية، يضطر بعض سكان إسطنبول إلى السفر لمسافات طويلة للدراسة أو إجراء بحث.
يقول إلماس: "إنّ بعض قرّائنا يأتون من منطقة بويوك تشكمجة (التي تبعد 55 كيلومتر عن تقسيم) أو كارتال (30 كيلومتر عن تقسيم) لعدم وجود مكتبات تفتح 24 ساعة يومياً طوال الأسبوع في أحيائهم".
ويضيف أنّ بلدية إسطنبول تملك 18 مكتبة في جميع أنحاء المدينة، وسيتم افتتاح مكتبتين جديدتين هذه السنة.
يعود تاريخ المكتبات التركية إلى أكثر من 100 عام، وفقاً للأستاذ المساعد لإدارة البيانات والوثائق في جامعة إسطنبول إسيل إلكنور سيرت.
تقول سيرت "إنّ أول مكتبة في تركيا هي مكتبة بيازيد الحكومية، التي أُسّست من قبل السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1884 في مجمع بيازيد الاجتماعي الإسلامي العثماني".
وقد أُنشئت أول مكتبة تابعة للبلدية في إسطنبول في عام 1924 في نفس المجمع، ونُقِلت نتيجة لصغر المكان بعد أن وسّعت محتوياتها في ستينيات القرن الماضي.
تقل مكتبة أتاتورك الليوم في بناء أنشأته مجموعة كوتش - أكبر مجموعة اقتصادية في تركيا - في الذكرى الخمسين لتأسيس الجمهورية في عام 1973.
احتوت المكتبة منذ تأسيسها 170,000 منشور، جُمِع مُعظمُها من تبرّعات أبرز المُثقّفين الأتراك في ذلك الوقت.
واليوم تحوي المكتبة ما يقرب من 500,000 منشور، تشمل كتباً، وكتابات قديمة، وخرائط، وبطاقات بريدية وإحدى أكبر مجموعات الجرائد والمجلات.
يعتقد سيرت - أحد زوار المكتبة - أنّ قرار مكتبة أتاتورك بفتح أبوابها 24 ساعة طوال الأسبوع سيتبعه نفس القرار في بعض الجامعات الحكومية في أنحاء تركيا والتي يبلغ عددها 1,200 مكتبة.
أحمد مينتيس، زائر آخر من زوار المكتبة يبلغ من العمر 23 عاماً ويدرس القانون في جامعة بيكينت في إسطنبول.
يقول أحمد إنّه يأتي إلى المكتبة يوماً خلال فترة امتحاناته النهائية؛ فهو يعيش فيها تقريباً، حيث يقضي حوالي 12-13 ساعة فيها كل يوم.
ويتابع قائلاً: "أنا أظل مستيقظا في معظم ساعات الليل. وأعود إلى بيتي في بعض الأوقات في الساعة الرابعة صباحاً".
يبدو أنّ العاصمة الثقافية لتركيا ستواصل اجتذاب آلاف روّاد الليل ولكن هذه المرة من أجل عروضها الفكرية لا من أجل حياة الليل الملوّنة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!