عبد القادر سلفي – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
في البداية أريد أن أكتب لكم كيف أنّ رئيس الجمهورية الفرنسية هولاند، أراد توضيح وضع فرنسا الصعب بالنسبة لموضوع داعش من خلال هذه الحكاية.
التاريخ 5-9-2014، المكان: الويلز، المناسبة: قمة الناتو، حيث اجتمع ثلاثة زعماء أمام مدفأة أثرية، كان الزعماء الثلاثة هم هولاند، رئيس الجمهورية الفرنسية، وكاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، واردوغان، رئيس الجمهورية التركية.
بدأ النقاش عندما افتتح اردوغان الحديث عن موضوع داعش، ففي تلك الأيام كان داعش قد سيطر على معظم العراق ويتجه نحو سوريا، وبدأ اردوغان حديثه بالإشارة إلى انضمام عناصر من العالم الغربي، موضحا للزعيمين "لو أرسلتم لنا قوائم بأسماء مشتبهين، سنضبطهم في مطاراتنا ونرسلهم خارج حدودنا"، في تلك اللحظة تدخل هولاند وقال :" انضم من فرنسا 600 شخص لهم"، بينما قال كاميرون :"ومن عندنا 1000"، ثم هز الاثنان معا رأسهما وقالا :"لا نعرف ماذا نفعل"، ليضيف هولاند :"نجد صعوبة في تحديدهم، لأنهم يخرجون من بلادنا كسائحين".
يوم أمس، حصل ما كان يخشاه هولند عندما هزّ رأسه لسماعه اسم "داعش"، حيث حدثت يوم أمس هجوم الحادي عشر من سبتمبر الفرنسي.
صحيفة "شارلي إيبدو" التي تعرضت لهجوم يوم أمس، كانت قد نشرت رسوما مسيئة لرسولنا عليه الصلاة والسلام، وليس من الصدفة أنْ يُنشر على حساب الصحيفة على تويتر كاريكاتور مسيء للبغدادي زعيم داعش، قبل ساعة فقط من حصول الهجوم المسلح، ليجعل أصابع الاتهام كلها تتوجه نحو تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهكذا قامت داعش بأول أعمالها الدموية خارج حدود كل من سوريا والعراق.
علينا إدانة هذا الهجوم الدموي مهما كان فاعله، والمؤسف للغاية علاوة على دموية الهجوم، أنْ يتم باسم الإسلام والمسلمين.
يوم الحادي عشر من سبتمبر، الذي شهد تفجير برجي الولايات المتحدة الأمريكية، كان بداية يوم جديد بالنسبة للعالم بصورة عامة، وبصورة خاصة جعل دولتين مسلمتين تحت الاحتلال، فقد قرر الرئيس الأمريكي بوش أنْ يرد على هذا الهجوم ليس في الأراضي الأمريكية، وإنما في مراكز الإرهاب أينما تواجدت، ليحتل بعد ذلك كلا من أفغانستان والعراق، واليوم نعيش أحداث الربيع العربي والحرب الداخلية في سوريا كتوابع لقرار بوش.
لا يمكننا التنبؤ الآن بما ستجلبه لنا أحداث 11 سبتمبر التي حصلت في باريس، لكن الأكيد أنّ تلك الأحداث لن تنتهي في باريس، بل بالعكس، ستشكل بداية مرحلة عمليات جديدة.
يتبع مثل هذه الهجمات الكبيرة ضد الأنظمة، تغييرات سياسية عديدة، ومرحليا لا نجد صعوبة في توقع أنْ يكون ذلك الهجوم بداية مرحلة صعبة سيعيشها المسلمون المتواجدين في دول الاتحاد الأوروبي.
وإذا أرادت فرنسا اتخاذ رد فعل كذلك الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، فإننا نتوقع دور أكثر فعالية لفرنسا في المسألة السورية خلال المرحلة المقبلة.
فرنسا دعمت بقوة العمليات ضد تنظيم داعش في الأراضي السورية، وقد أرسلت مؤخرا سفينة حربية إلى المنطقة، وكرد فعل لأعضاء داعش الفرنسيين تجاه قرار فرنسا ذلك، قاموا بحرق جوازات السفر الفرنسية التي كانوا يحملونها.
فرنسا تتخذ موقفا مغايرا لموقف كل من الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا تجاه سوريا، فهولاند كان يقف على مقربة من سياسة تركيا، حيث كان يدعم الآراء القائلة بضرورة إزاحة الأسد من أجل حل القضية السورية، وبأنّ الهجمات الجوية لن تكفي للقضاء على داعش، وكان يدعم أيضا فكرة إنشاء منقطة آمنة.
النتيجة الأولى للهجوم الأخير ستتمثل بأخذ فرنسا دورا أكثر فعالية في الحرب على داعش، لكن هل سيحافظون على سياستهم السابقة تجاه بشار الأسد؟ هذا أصبح موضع شك. وما أريد التأكيد عليه هنا، أنّ تركيا ترى في هولاند "فرصة" حقيقية لعودة العلاقات الفرنسية-التركية التي عاشت مأساة أيام ساركوزي.
وإذا أردنا العودة للحديث عن الهجوم الأخير، فإننا نرى تشابها بينه وبين عملية اغتيال "ساكنة جانسيزلار"، بمعنى أنّ مثل هذه العمليات لا يمكن أنْ تحصل دون أنْ يكون لها دعم من داخل استخبارات الدولة، والمثير للانتباه هو أنّ الاستخبارات الفرنسية قد نشرت مؤخرا تحذيرات من وقوع عدة هجمات في باريس.
بعد أنْ نشرت صحيفة "شارلي إيبدو" رسوما كاريكاتورية مسيئة، تم حمايتها بصورة مشددة، إلا أنّ ذلك لم يمنع اثنين من الإرهابيين الملثمين من الوصول إليها وهم يحملون أسلحة ثقيلة، ليدخلوا إلى الداخل، ويرتكبوا مجزرة، ثم خرجوا، وأطلقوا النار على شرطي حاول أنْ يمنعهم من الهرب، وأصابوه بجروح، قبل أنْ يقترب منه ويعدمه بإطلاق النار على رأسه بصورة محترفة وببرودة دم.
باريس ذات الكاميرات التي تسجل كل شيء، لم تستطع القبض على منفذي الهجوم حتى الآن، ففرنسا التي قامت بعملية ناجحة واحترافية في مالي في أقصى إفريقيا، لم تستطع منع دخول مسلحين إلى مبنى، ولم تستطع إلى الآن القبض عليهم برغم الأدلة والكاميرات، وإذا فشلت الشرطة الفرنسية فعلا في القبض عليهم، فعليهم حل جهاز الشرطة، أو عدم الضحك علينا أكثر من ذلك.
لن أتحدث كثيرا عن التفاصيل التي تثبت احترافية المنفذين، وإنما سأكتفي بالقول، أنه لو لم يتابعوا ذلك المكان منذ زمن بعيد لما نجحوا في هذه العملية بالصورة التي ظهرت عليها، لكن الغريب كيف للشرطة أنْ لا تلقي القبض على منفذين استقلّا سيارة أمام مرأى الجميع ولاذوا في الفرار؟ ولا شك أنْ ذلك مشابه تماما لما حصل في عملية اغتيال "ساكنة جانسيزلار" التي حصلت في باريس أيضا حيث لم تتضح تفاصيل تلك العملية حتى الآن.
نحن أمام وضع جديد، وعلينا وضع سياسة جديدة، ولا شك أنهم يريدون استخدام هذه الأحداث الدموية من أجل ربطها بالإسلام، لكن علينا الآن الخروج بكل وضوح، وبجمل وكلمات قوية وواضحة، لنعلن أننا نقف ضد هذا الهجوم الإرهابي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس