حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس
تزعم أمريكا والدول الداعمة لها أنها وجهت ضربةً موجعةً لنظام الأسد، وبالمقابل تزعم روسيا وإيران أنها تشعر بالغضب تجاه المحاولة الأمريكية، لكن جميع هذه المزاعم لا تحمل أي معنى لأننا لا نستطيع رؤية حرب واقعية، إنما هي عبارة عن مسرحية تمثيلية مدبّرة.
إذ نفذت أمريكا غاراتها ضد قواعد عسكرية فارغة من قوات الأسد وبالتالي لم تسفر العملية عن مقتل أي عنصر تابع لقوات النظام السوري، وذلك يشير إلى وجود حرب زائفة ومدبّرة من خلال اتفاق بين الأطراف.
اتخذ الرئيس الأمريكي ترامب قراراً ينص على قصف قواعد نظام الأسد، ويبدو أنه كان يرغب فقط في منع انتشار الإشاعات حول تراجعه عن قراره، وبالتالي قصف الأبنية العسكرية الفارغة كي يحصل على فرصة ليزعم أنه قد وجه ضربةً موجعةً لنظام الأسد، في حين أن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" لم تدلِ بأي تصريح واضح حيال المسألة.
يبدو أن البنتاغون تمكنت من إقناع الرئيس ترامب بتنفيذ عملية عسكرية زائفة ضد نظام الأسد، وبالتالي يمكن القول إن عدم اهتمام ترامب بهذه المسألة قد دفعه إلى الموافقة على تنفيذ الخطّة المدبرة من قبل البنتاغون، إذ كان ترامب بحاجة فقط لعملية عسكرية يستطيع تحويلها إلى حملة دعائية تعطيه الفرصة لخداع الرأي العام وإقناعه بأن العملية العسكرية قد تمّت بنجاح.
فرنسا وبريطانيا تشعر بالانزعاج تجاه روسيا، ولذلك تحاول تحفيز أمريكا لدفعها إلى الدخول في حرب ضد روسيا، إضافةً إلى أنها تسعى للحصول على بعض الاهتمام والهيبة العالمية.
لم تقع أي خسائر ملموسة في الصفوف الروسية، وأعتقد أنها في غاية السرور الآن، لأن أمريكا وفرنسا وبريطانيا تهتم فقط بالحفاظ على هيبتها أمام العالم، في حين أن روسيا قد تمكنّت من حماية مكاسبها الرئيسة من الحرب السورية.
تتظاهر أمريكا بأنها تدافع عن القرارات التي تنص على منع استخدام الأسلحة الكيميائية، وتعتقد أنها قد نجحت في ذلك، ولكن على العكس تماماً باءت محاولتها بالفشل كما أدت إلى زيادة همجية نظام السوري، لأن الأسد سيؤمن بأن الخطوات التي يتخذها في سوريا لن تجد أي عقاب ملموس، وبالتالي سيستمر في تكرار هذه الهجمات الخارجة عن إطار الإنسانية.
منذ سنوات عديدة وأنا أحاول لفت الانتباه إلى نقطة هامة، وهي أن المرحلة التي نمر بها شبيهة جداً بمرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية، إذ أدى انسحاب أمريكا من الساحة إلى تشكّل فراغ كبير على صعيد القوى الدولية، وبالتالي أدى هذا الفراغ إلى انتشار الفوضى، إذ لا توجد أي مبادرات رادعة، بل تأتي جميع المحاولات من أجل تهدئة الأمور فقط.
عندما سيطر هيتلر على النمسا وإقليم السوديت لم يواجه أي معارضة، بل تم تهدئة الأوضاع فقط، لكن عندما رأى هتلر ذلك ازدادت شجاعته وبادر في مهاجمة بولونيا أيضاً، وكانت هذه المبادرة سبباً في بدء حرب جديدة.
وكذلك الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما، ولم يجد أي عقاب جراء فعلته، كما استخدمها أيضاً في العام الماضي وتعرّض لعقاب صغير تمثّل في غارات جوية صغيرة، واليوم تتظاهر أمريكا بأنها تحتد في العقاب وتقصف ثلاثة قواعد عسكرية تابعة لنظام الأسد، أي إن أمريكا ترفع مستوى العقاب في كل مرة لكن دون أي نتيجة ملموسة، ولا أعتقد أننا سنرى أي نتيجة إيجابية في المستقبل.
في هذه الأثناء تتشكّل أفكار خاطئة لدى الأسد ويعتقد أنه ما من أحد يستطيع إيقافه، والأمر كذلك بالنسبة إلى روسيا أيضاً، إذ تعتقد روسيا التي لم يتم إيقافها في جورجيا وأوكرانيا أن الأمر سيكون كذلك في سوريا أيضاً، ولذلك سيزداد توسّعها مع مرور الوقت، وستؤدي أي مبادرة لإيفاقها في المستقبل إلى وقوع خسائر فادحة، لكن لا أحد يهتم بمقتل المدنيين واستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وبالنسبة إلى تركيا يمكن القول إنها تمكنت من تخطي هذه المرحلة منذ مدة طويلة، واتخذت موقفاً مناسباً للشروط الراهنة، ووجدت الطريقة الصحيحة للاعتماد على نفسها في البقاء، وتستمر في الحفاظ على موقفها على الرغم من الجهات التي تحاول دفعها للوقوف إلى جانب أحد الأطراف، وبذلك تسعى إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وفي الوقت الحالي يُعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الهدف الرئيس لتركيا.
تركيا لا تتدخّل في الأمور المتعلقة بالأسد، بل تكتفي بتوجيه رسالة "من يريد التعاون مع تركيا يجب أن يبادر في خطوة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي" للجميع، وإلا فإن تركيا تملك القدرة على التقدّم لوحدها في سبيل تحقيق أهداف الدولة التركية، لذلك يجب على القوى الأخرى أن لا تحاول دفع تركيا للوقوف إلى جانب أحد الأطراف، لأن تركيا لا تستطيع حماية مصالحها القومية إلا من خلال الاعتماد على نفسها بشكل رئيس.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس