أحمد تاشغتيران – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
أودّ أن أتحدّث اليوم عن مقالة كتبها طه أقيول، يتحدث فيها عن أنّ وصف المسلمين بأنهم ما زالوا يعيشون في القرون الوسطى ليس بالأمر الاستفزازي، بل ربما هو واقع حقيقي، حسب رأيه.
وعند تقييم ما كتب طه أقيول، فعلينا معرفة أولا أنّ الكاتب انطلق في كتابته من قناعة لديه أنّ المسلمين ما زالوا يعيشون في القرون الوسطى، مستدلا على رأيه بجملة قالها عبد الله غل عندما كان وزيرا للخارجة قبل 12 عاما، وذلك في المؤتمر الإسلامي في طهران حيث قال حينها :"لقد حان الوقت ليتبنى العالم الإسلامي المعايير المعاصرة"، ويقول الكاتب أنّ الحل يتمثل "بالخروج من العصور الوسطى".
أول ما تبادر لذهني عندما قرأت تلك المقالة، السؤال التالي:
بأي عصر يعيش طه أقيول حاليا؟
مَن هم المسلمون الذين يعيشون حاليا في "العصور الوسطى"؟ فهناك مليار ونصف مسلم على وجه الكرة الأرضية، كم منهم يعيش في القرون الوسطى؟ وما هي الروابط بين الكاتب وبين المجتمعات الإسلامية؟
لو كان طه أقيول كاتبا أمريكيا، أو لو كان لديه موقف معادي للإسلام، لرأيت ذلك طبيعيا، لكن السيد طه هو رجل مسلم، وأنا أتفهم أنّه يريد انتقاد المجتمعات المسلمة لوضعها الحالي، لكنه لو دمج نفسه بهذه المجتمعات، مثلا لو قال "نحن المسلمين"، بمعنى لو أنه وجه الانتقاد لكل المجتمعات المسلمة بما فيها هو نفسه لكان أفضل، لأن مقالته خرجت وكأنه ينتقد المسلمين باستثناء نفسه، فلو قال علينا النظر إلى أنفسنا لكانت مقالته أكثر مصداقية.
أتفهم وجود جماعات مثل داعش، والقاعدة وبوكو حرام، لكن أنتم أيضا مسلمين، ونحن أيضا مسلمين، آبائنا وأجدادنا مسلمون أيضا، وهناك ملايين المسلمين في العالم خرجوا ضد الإرهاب، كان عليه أنْ يكون أكثر إنصافا بدلا من وصف المسلمين كلهم بأنهم يعيشون في القرون الوسطى.
الكاتب بدا وكأنه يحسن الظن كثيرا بالعالم الغربي المهيمن على ثروات الشعوب المسلمة، خصوصا عندما قال "هذا أمر ليس استفزازي"، وبأي تفكير يستبعد الكاتب بجرة قلم كل احتمالات المؤامرة الغربية باستخدام هذه الحادثة، برغم تناولها من قبل بعض الكتاب الغربيين؟
ثم أليس من الواجب علينا أيضا التحقيق والحديث عن موضوع غوانتنامو؟ وسجن أبو غريب؟ أو الحديث بشيء عن ما حصل في غزة؟ أو في مصر أو سوريا؟
ربما تبدؤون الآن بالكتابة ضدي، لكن ثقوا تماما بأنّ هذا الحديث وهذه الكتابة هي من أجل التخفيف قليلا عما يتعرض له المسلمون من هجمة إعلامية شرسة الآن.
وللأسف هناك العديد من الكتاب أو القراء أو المواطنين، ولدوا وترعرعوا في تركيا، أو في الدول الإسلامية الأخرى، لكنهم ينظرون إلى أنهم أخذوا "العار" من آبائهم وأمهاتهم، هناك منهم من يخجل لكونه مسلم، أو عائلته ذات هوية إسلامية، وقد صادفنا العديد من مثل هؤلاء، حتى أنّ منهم من درس الشريعة الإسلامية لكنه ما زال يعاني نفسيا ويخجل من نفسه وانتمائه.
الغرب سحر هؤلاء، وبدؤوا بزرع المقت والكراهية في نفوسهم تجاه مجتمعاتهم الإسلامية، حتى أنهم صوروا الحكم العلماني بأنه حُكم العقل بعيدا عن العواطف والعقيدة وكل شيء.
أنا لا أقول أنّ طه أقيول منهم، لأنني سأكون قيّمته بصورة ظالمة، لكن وجب علينا أنْ نوضح له أنّ موقفه موقف مستمد من الفكر "الخارجي".
لنفترض أنّ جزءا من المسلمين يعيشون في القرون الوسطى، ربما سنقول حينها أنّ الكاتب يقصد داعش وبوكو حرام بهذا الجزء، لكن ألا يجب علينا أنْ نفهم كيف تكونت مثل هذه الجماعات، وما هي الأسباب الحقيقية التي كونت فكرهم وتصرفاتهم؟
كيف يمكن تفسير انضمام شباب من الغرب إلى داعش؟ حتى إنّ قسما كبيرا منهم هم عبارة عن مسلمين جدد، فهل يمكننا تفسير ذلك على أنه امتداد للعصور الوسطى؟ أين العصور الوسطى في هذه الجزئية؟
هل احتلال أمريكا للعراق هو قرون وسطى؟ أم قرن جديد، أم عصر فضائي؟ وهيروشيما وناغازاكي أين موقعها؟ والإجرام الذي جرى في غوانتنامو ماذا يُسمّى؟ أين المدنية في ذلك؟
كيف تفسرون دعم أمريكا للانقلاب في مصر؟ إلى أي عصر يعود ذلك؟ وهل قتل إسرائيل للآلاف في غزة خلال شهر واحد، معظمهم من الأطفال والنساء، هو قرون وسطى بالنسبة لليهودية؟
هل هناك أحدٌ من الغرب يتحدث عن تصرفاتهم اليوم ويصفها بأنها قرون وسطى للمسيحية؟ أم أنّ لفظ القرون الوسطى مرتبطٌ فقط باسم المسلمين؟
صديقي طه أقيول –سأخاطبه بهذا الوصف لأنه يوجد أيام صداقة بيننا لا يمكن مسحها- لا أدري ما سبب انجذابك لانتقاد المسلمين بهذه الطريقة، لكن تمسكك وتشبثك بمثل تلك الكتابات في الفترة الأخيرة لا يتحمله قلبي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس