محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
أعجبتني كثيرا مقولة قرأتها لأحد الباحثين في العلاقات التركية السعودية حين أكدَ على أن تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية ستحافظ على شعرة معاوية في علاقاتها مع السعودية مهما بلغ الخلاف بينهما وهذه الحقيقة تتبلور شيئا فشيئا فبعد الخلافات العميقة بين الدولتين حول الأزمة الخليجية مع قطر والتي استطاعت الإرادات الخيرة تحويلها من خلافات جوهرية سياسية ذات تأثير سلبي على مستويات تطور علاقاتهما إلى مواجهات إعلامية وصفت أحيانا بالحادة أو العنيفة ولكنها لم تخرج من دائرتها الإعلامية التي ربما كانت سببا لامتصاص النقمة وتطييبا لخاطر بعض المتعصبين من البعيدين عن فهم المصالح والاستراتيجيات السياسية ولقطع الطريق أمام المزايدين الذين يبحثون عن كنز ربما يكون ضالتهم في البحث عن نقطة سوداء في العلاقات الطبيعية بين الأخوة.
إن مشاهد الانهيارات البينية التي صاحبت فتور العلاقات التركية السعودية بإدخالها قالب القطيعة، ويسعى بعض المغرضين الذين لا يحلو لهم رؤية تطور علاقات بين دولتين مركزيتين مهمتين بالشأن الإقليمي والإسلامي ومؤثرتين بصورة مباشرة وقوية في سلسلة أحداث الساحة الإقليمية والإسلامية، ورغم مساعيهم المضللة لتحويل تلك الأزمة بين الدولتين إلى أزمة إقليمية جديدة بهدف إضعاف مواقفهما، أقول قوبلت تلك المهاترات بردود أفعال عملية أنهت وربما في طريقها إلى إنهاء الفصل الضبابي بين الدولتين.
في شهر آذار/ مارس من السنة الماضية وقبل تسلم الدكتور وليد الخريجي منصب السفير السعودي في تركيا، وفي إحدى مناقشاتي مع بعض الإخوة الإعلاميين السعوديين أخبروني بأن الدكتور الخريجي هو "الشخص المناسب في المكان المناسب". وأنقل نصا ما قاله الأخ الاعلامي لي، باعتباره سيكون عراب تطور العلاقات التركية السعودية وهو ما تسعى إليه القيادة السعودية في علاقاتها مع تركيا في المستقبل.
التقيت بسمو السفير على مائدة رمضانية أقامها للإعلاميين في العام الماضي أنا ومجموعة من الزملاء الإعلاميين الأتراك، وكان حريصا على سماع كافة الآراء التي تمهد للقيام بخطوات جدية في سبيل تعزيز العلاقات بين الإعلاميين الأتراك والإعلاميين السعوديين لمواكبة تطر العلاقات بين البلدين، ومن ناحيتي فقد اقترحت فتح مركز أبحاث سعودي في العاصمة أنقرة وأصدار صحيفة إلكترونية مشتركة لإعلاميي البلدين إضافة إلى إنشاء مركز ثقافي سعودي في إحدى المدن الرئيسية في تركيا، وأنا أتذكر إجابته لي حين قال "كأنك تقرأ أفكاري"، وهي علامة على سعيه المخلص في أخذ زمام المبادرة بإضفاء الطابع الأخوي في العلاقات بين بلده وبين تركيا.
إن كل الدلائل والعلامات توحي بأن المرحلة القادمة هي بداية نهاية فصل بارد بين الدولتين وبداية فصل جديد في تتابع مسيرة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وكم من الإشارات توحي بالانطلاق من جديد في عملية إكمال رسم خارطة طريق لمتابعة وتنفيذ النقاط التي اتفقت عليها القيادتان في السابق.
ففي السابق أعرب مسؤولون أتراك عن الآمال الكبيرة في ظهور نتائج المباحثات المستمرة بين مسؤولي البلدين إلى عقد صفقات واتحاد وشراكة تعكس التحول الكبير لتفاهم البلدين على ملفات إقليمية، وأن التاريخ يوثق أن تركيا بثقلها الديني والسياسي، إذا ما اتحدت مع السعودية، فإنهما قادرتان على وضع حد للتدخلات الاقليمية الأخرى والتي تؤثر بصورة سلبية على استقرارها وحسب قول أحد أعضاء مجلس الشورى السعودي، وعطفاً على محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا قبل سنتين، أعرب السعوديون في المناسبة عن تعاطفهم الشديد مع الأتراك، معتبرين أن القلق ساورهم لحظات الانقلاب أيضاً، إلا أن عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور خالد العواد صارح الوزراء الترك بأن ما يقلق السعوديين في العلاقات مع بلادهم، يتعلق جانب منه بشخصية زعيمهم أردوغان، الذي يراه بعض السعوديين عنيداً وغير متراجعً في تعاطيه مع بعض الملفات، كما أن هناك من ينظر إلى أن الانفتاح التركي الحالي على السعودية مرهون بالحزب التركي الحاكم وزعيمه، فيما يؤمل السعوديون، وخصوصاً المستثمرون منهم، علاقات أكثر استقراراً, لكن الوزراء والنواب الأتراك، وعلى لسان أكتاي الناطق باسمهم، أقروا بأن “صورة أردوغان لم تعد جيدة في الغرب، بسبب تشويه جماعة فتح الله غولن، لكنها في المقابل حسنة جداً عند الشعب التركي، مثلما ظهر جلياً أثناء الانقلاب الفاشل، كما أن انتقادات الرئيس وندّيته للغرب، وخطاب الاستغناء عن الاتحاد الأوروبي، لم تعجب الأوروبيين، الذين كانوا يرون أنفسهم أعلى شأناً، وهكذا فإن أردوغان ليس طاغياً ولا يمكنه أن يكون مستبداً، فتركيا دولة مؤسسات”, هذه المداخلات حصلت في اللقاءات بين بعض المسؤولين الأتراك والسعوديين أثناء زيارة الرئيس أردوغان إلى السعودية قبل عدة سنوات.
وبعبارة أخرى فإنّ أُسُسًا من التفاهمات الرسمية التنفيذية والتشريعية والتي انعكست بصورة مباشرة على الرأي العام بين الدولتين ووظفتها المنابر الاعلامية والصحفية بما تستحقها من اهتمام لتطوير العلاقات والتمهيد لدور أخوي بينهما يخدم مصالح البلدين والأمة الإسلامية.
بقي أن نقول إن الملك سلمان هو من يعرف متى يستوجب البدء بوضع قاطرة العلاقات في سكّتها، ومن الطبيعي أن الرئيس أردوغان يترقب توقيت ذلك، لكن ينبغي على الإعلاميين الأتراك والسعوديين إنشاء غرفة عمليات مشتركة مهمتها إخماد النيران التي تشب بصورة مفاجئة والتي مصدرها اختلافات وجهات النظر في الشؤون الإقليمية والخارجية فقط، أما علاقاتهما بينهما فمن الممكن وصفها بما يناسبها وما يستحقها من مدح وتبجيل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس