عمر تشيليك - دورية السياسة التركية - ترجمة وتحرير ترك برس
تركيا تتوقع من الاتحاد الأوروبي علاقة عادلة وواقعية وصادقة
في كل مرحلة من مراحل علاقتنا التشاركية مع الاتحاد الأوروبي، التي بدأت في عام 1959 عندما تقدمت تركيا بطلب إلى ما كان يعرف آنذاك بالسوق الأوروبية المشتركة، كان موقف الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا متناقضًا، حتى عندما بدأت عملية الانضمام في عام 1999. ولكي أكون صادقاً، فإن نهج الاتحاد الأوروبي في علاقاته مع تركيا قد شكلته حاجته إلى الأمن ومصالحه الخاصة في الإطار السياسي للاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن الشراكة التي أسست في البداية باتفاقية أنقرة تبدو مستندة إلى اعتبارات تجارية واقتصادية، فإن هدفها الفعلي كان الأمن في سياق الحرب الباردة، حيث تشير ديباجة الاتفاق إلى هدف حماية وتعزيز السلام والحرية. وعند النظر في عضوية تركيا في المجلس الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وحلف شمال الأطلسي طوال عقد الخمسينيات من القرن الماضي، فمن السهل أن نرى أن تركيا كانت دائماً ملتزمة بالهياكل الأوروبية كحليف مهم ضد التهديد السوفييتي.
وخلال السنوات العشر التي أعقبت نهاية الحرب الباردة في عام 1989 إلى إعلان ترشيح تركيا للانضمام إلى الاتحاد، واصلت أوروبا التركيز على القضايا السياسية، وخاصة الحقوق والحريات الأساسية، ردا على طلب تركيا الحصول على العضوية، وكان ذلك نتيجة لتغيير المعايير الإقليمية. كانت النزاعات في البلقان، والاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والترشيح الذي تلا ذلك بعد بضع سنوات، مرتبطا بوضوح بمصالح أوروبا الجيوسياسية وحاجتها إلى الأمن.
أما اليوم، فمن غير الواضح ما الذي يريده الاتحاد الأوروبي أو ما هي أهدافه في علاقاته مع تركيا. وعلى أي حال، لم تتمكن تركيا حتى الآن من تحقيق التقدم الذي تستحقه وتريده من مفاوضات الانضمام، رغم أن المباحثات بدأت منذ أكثر من عقد من الزمان. لم يكن من العدل أن يحمل الاتحاد الأوروبي تركيا مسؤولية مشكلة قبرص، وأن يتجاهل العقبات السياسية التي تضعها دول أعضاء، وهو ما حوّل عملية انضمام تركيا إلى طريق مسدود بعد فترة وجيزة فقط من بدء المفاوضات. وحتى عندما كانت العلاقات في أفضل حالاتها، تم تجميد نصف الفصول لأسباب سياسية بحتة، إذ ما يزال هناك 14 فصلاً مجمدا بسبب مشكلة قبرص، وللسبب نفسه، لا يمكن إغلاق أي فصل مؤقتًا. ولكن على الرغم من هذه المعاملة غير العادلة، فإن كثيرا من وكالات الاتحاد الأوروبي تسلط الضوء على الكيفية التي لا يمكن بها فتح فصول جديدة في مفاوضات الانضمام في كل فرصة، وهو ما يوضح كيف كان الاتحاد الأوروبي "مخلصًا وبناءً" في علاقته مع تركيا.
ومهما يكن من أمر، فلا يمكن اعتبار نهج الاتحاد الأوروبي للعلاقات مع تركيا في السنوات القليلة الماضية منفصلاً عن الأزمات المذكورة أعلاه في داخل الاتحاد الأوروبي والتغييرات في النظام الدولي. تكمن المشكلة في إخفاق الاتحاد الأوروبي في تفسير التطورات داخل الاتحاد وخارجه تفسيرا صحيحا على المستوى العالمي. ومن ناحية أخرى، هناك كثير من قادة الاتحاد الأوروبي الذين يدركون الدور الرئيسي الذي تضطلع به تركيا في التغلب على الأزمات الوجودية التي يواجهها الاتحاد. ومن الأمثلة على ذلك القمة التركية الأوروبية التي عقدها الرئيس التركي مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ورئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف في فارنا في 26 آذار/ مارس 2018.
كانت قمة فارنا مفيدة لأنها جددت الثقة في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي التي تمر حاليا بمرحلة صعبة. وكان تأييد القادة المجتمعين لأهمية التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والتأكيد على ترشيح تركيا على أعلى المستويات، خاصة مع عودة الاتحاد الأوروبي مرة أخرى إلى جدول الأعمال، علامة إيجابية أخرى على أن إمكانية العضوية ما تزال قائمة. وخلال هذه القمة حددت تركيا تطلعاتها بشأن مكافحة الإرهاب، وتحرير التأشيرات، وإعادة توطين المهاجرين طواعية، ومشكلة قبرص، ودعم اللاجئين في تركيا، وتحديث الاتحاد الجمركي، ومن ثم تذكير الاتحاد الأوروبي بأنه يجب عليه الوفاء بالتزاماته في نطاق اتفاق 18 مارس. كما زودت تركيا الاتحاد الأوروبي بمشروع خارطة طريق يحدد الخطوات الملموسة لمستقبل العلاقة.
على أن أهم نتيجة لقمة فارنا ستكون تحويل المناخ الإيجابي إلى سياسات وممارسات ملموسة. وقد سارت تركيا في كل جانب من جوانب القرارات التي اتخذت في مؤتمرات القمة السابقة، وفقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وأوفت بالتزاماتها، بيد إن إخفاق الاتحاد الأوروبي في الوفاء بالتزاماته أوجد شعورا عميقا بعدم الثقة في الاتحاد الأوروبي في أوساط الشعب التركي.
بالنسبة إلى تركيا، فإن الأولوية الأهم هي فتح الطريق أمام مفاوضات الانضمام. ومع ذلك، لم يف الاتحاد الأوروبي بالتزامه باستكمال الاستعدادات لبدء المفاوضات بشأن الفصول التي جمدتها قبرص. إن مفاوضات الانضمام هي العمود الفقري للعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ومن المستحيل التحقيق التام لإمكانات العلاقة حتى يحدث تقدم في هذا المجال، إذ ينبغي تقديم خطة عضوية محددة مع جدول زمني لبلدنا كما هو موضح في استراتيجية غرب البلقان.
أما القضيتان الأساسيتان الأخريان المطلوبتان للحفاظ على الأجواء البناءة التي نشأت في قمة فارنا، فهما استكمال محادثات تحرير التأشيرات، وتحديث الاتحاد الجمركي. وعلينا أن نتذكر أن تحديث القضية الأساسية المتعلقة بالاتحاد الجمركي، والتي تخدم مصالح كلا الطرفين، هو عملية تجارية تقنية بالكامل، ويجب ألا تعوقها القضايا السياسية. وعلاوة على ذلك، وفيما يتعلق بتحرير التأشيرات، عبرت تركيا عن موقفها بشأن المعايير التي تتطلب عملاً إضافيًا مع المفوضية الأوروبية في 7 شباط/ فبراير 2018 في خريطة الطريق التي طرحتها لتحرير التأشيرة. في هذه المرحلة، لا نتوقع أي عوائق ذات دوافع سياسية في عملية تحرير التأشيرات وسيتم توفير نظام التأشيرات لمواطنينا في أسرع وقت ممكن. ينبغي أن تكون قضية "التأشيرة"، في عصر العولمة الذي نعيشه مسألة يمكن للاتحاد الأوروبي ودولة أوروبية قوية مثل تركيا حلها.
وبفضل بند واحد مقابل واحد في اتفاقية 18 مارس بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين، والتي أوفت بلدنا بجميع التزاماته، وأغلقت طريق بحر إيجه، توقفت موجة الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك، أن تركيا ساعدت في وقف الخسائر في الأرواح بين اللاجئين. ووفقاً لهذه الاتفاقية، يُطلب من دول الاتحاد الأوروبي قبول السوريين على أساس تطوعي شريطة أن تكون الهجرة غير النظامية قد انخفضت بشكل كبير ومستمر. ولكن على الرغم من انخفاض الهجرة، لم يكن هناك أي تقدم ملموس في العمل الفني في غضون عامين، إذ لم تطبق خطة القبول الإنساني الطوعي فحسب، بل إنه لم يُستقبل سوى 12.966 سوري فقط في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في إطار بند "واحد مقابل واحد" منذ مارس 2016. لقد حان الوقت لتحقيق تطورات ملموسة ومزيد من التقدم الشامل في هذه المجالات.
ومن ناحية أخرى، فمن الأهمية بمكان بناء الثقة من خلال تسريع تحويل الأموال للسوريين في تركيا كجزء من المساعدات المالية المقدمة لتركيا لتحسين معيشة اللاجئين. واستناداً إلى الخبرة التي اكتسبتها تركيا خلال المرحلة الأولية، سيتم استخدام الموارد بشكل أكثر فعالية وسرعة، إذا تم نقل ثلاثة مليارات يورو مباشرة إلى الوكالات التركية المختلفة، خاصة وزارات التعليم والصحة الوطنية بدلاً من المنظمات الدولية.
ومن أهم القضايا في العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي التعاون في مكافحة الإرهاب. وفي هذا الصدد، فإن حساسية تركيا تجاه الإرهاب، وطلبها من أوروبا أن تتعامل مع جميع المنظمات الإرهابية على قدم المساواة، هو مطلب مبرر وشرعي. إن الحرب التي تشنها تركيا على حزب العمال الكردستاني بنفس العزيمة التي أظهرتها في الحرب على داعش هي جزء أساسي من التعاون الذي وضعناه مع الاتحاد الأوروبي ضد الإرهاب. وعلاوة على ذلك، فإن موقف أوروبا من حزب العمال الكردستاني وتصنيفه منظمة إرهابية ينبغي أن يتجاوز الكلمات، وأن يوضع موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، وفي ضوء الأحداث التي وقعت في تركيا في الآونة الأخيرة، فمن المهم أيضا أن يظهر الاتحاد الأوروبي نفس الحساسية تجاه منظمة فتح الله غولن الإرهابية.
إن الزخم الذي أحدثته قمة فارنا في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي واضح للعيان. وتلعب هذه القمم دورا رئيسيا في الحفاظ على علاقاتنا عند مستوى معين، والتغلب على الصعوبات، وإعادة بناء الثقة المتبادلة. ولذلك، فمن المهم الاستمرار في عقد مؤتمرات القمة التي تعمل على تعزيز الحوار بين تركيا والاتحاد الأوروبي على أعلى المستويات، على ألا يكون عقدها عندما تكون هناك حاجة ملحة فقط، بل أن تعقد على أساس منتظم.
خاتمة
من الواضح أن التغلب على المشاكل التي تشهدها العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي سوف يكون له فوائد كبيرة ليس فقط بالنسبة لتركيا والاتحاد الأوروبي ولكن لمنطقتنا، والنظام الدولي، والسلام العالمي أيضا، ذلك أن أهمية تركيا والاتحاد الأوروبي في إعداد ردود مشتركة ومتزامنة للمشاكل الإقليمية والعالمية المشتركة مسألة بديهية.
إن أهم شيء يجب تذكره عند دراسة العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي هو أن تركيا جزء لا يتجزأ من أوروبا، وبعبارة أخرى: تبدأ أوروبا في تركيا. ذلك أن تركيا لم تضطلع بدور مهم في تشكيل التاريخ الأوروبي فحسب، بل ساهمت أيضًا مساهمة كبرى في الاتحاد الأوروبي، حيث اضطلعت بدور مشروع السلام خلال حقبة الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين.
تسعى تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي منذ أكثر نصف قرن، وتعكس هذه المسيرة تاريخيا كيف أصبحت أوروبا على ما هي عليه اليوم. اضطلعت تركيا بدور حاسم في التطور السياسي والاقتصادي والثقافي الأوروبي، وقد اندمجت مع أوروبا في مجالات تتراوح بين الأمن والاقتصاد والرياضة والثقافة والفن، وستظل "دولة رئيسية" في استقرار أوروبا وازدهارها والعالم في المستقبل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس