عمر تشيليك - معهد إلكانو الملكي للدراسات الدولية والاستراتيجية في إسبانيا - ترجمة وتحرير ترك برس
أدت رياح التغيير التي تجتاح القارة الأوروبية إلى جعل النقاشات حول الوضع الحالي للاتحاد الأوروبي ومستقبله أكثر أهمية وجوهرية من أي وقت مضى. وبينما يكافح الاتحاد لإعادة هيكلة نفسه بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن التحدي الأكبر هو إعادة تأكيد شرعيته أمام مواطنيه.
وفي هذا الصدد، فإن الكتاب الأبيض الذي أصدرته المفوضية الأوروبية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي، ونشر في مارس/ آذار، يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام للتفكير في كيفية تطور الاتحاد من أجل تلبية احتياجات مواطنيه على نحو أفضل، وكيف يمكن بناء مستقبل مشترك. وبوضعها سيناريوهات مختلفة لمستقبل المشروع الأوروبي، مهدت المفوضية الأوروبية الطريق لإجراء مناقشة مفتوحة بشأن التحول المحتمل لنموذج التكامل، والأهم من ذلك، أنها أكدت التزامها بأوروبا موحدة وقوية.
تتابع تركيا، بوصفها بلدا مرشحا يجري مفاوضات للانضمام إلى الاتحاد، عن كثب هذه التطورات والمناقشات؛ لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بمستقبلها. لا يمكن فهم التاريخ الأوروبي بدون تركيا. وعلى الرغم من أن تركيا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، فإنها كانت ديمقراطية أوروبية منذ قرن.
وبهويتها العلمانية والحديثة، كانت تركيا تاريخيا من أشد المؤيدين المتحمسين لجميع الخطوات المتخذة صوب حماية السلم والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم. وبعد الحرب العالمية الثانية، كانت عضويتها في منظمة حلف شمال الأطلسي ومجلس أوروبا وطلبها للانضمام إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية آنذاك نتيجة لالتزامها بالحفاظ على الاستقرار والسلام. وهذا هو أيضا السبب الرئيسي الذي تهدف تركيا من ورائه إلى أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي. لذلك ترى تركيا أن عليها مسؤولية متابعة المناقشات حول مستقبل الاتحاد الأوروبي والمساهمة فيها، مع حماية قيمها الخاصة.
وينبغي أن يكون واضحا أن القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي هي قيم عالمية، وضعت استجابة لمعاناة كبيرة ومن خلال المقاربات السياسية والفلسفية لرجال الدولة ذوي البصيرة. يقوم الاتحاد الأوروبي على "منظومة القيم" وهذا هو النجاح الذي يجعله جذابا.
ومن ثم يؤسفنا أن نلاحظ حدوث تطورات في بعض البلدان تتلاشى فيها هذه القيم الأساسية.
وفي سياق العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، تم التوصل مرة أخرى إلى مفترق طرق. إن العنصر الأکثر أھمیة في العلاقة لتركيا ھو العضویة، بعد أن ظلت المرشح الصبور لمدة 30 عاما. وعلى الرغم من أنه من المفترض أن تكون عملية الانضمام عملية تقنية ومنظمة، فإنها كانت مسيسة إلى حد كبير في حالة تركيا. وعندما أصبحت تركيا أكثر قربا من الاتحاد بسبب تعاونها الناجح في مكافحة الهجرة غير القانونية، فإن محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو/ تموز وما تلاها من أحداث أدت إلى تسميم هذه العلاقة. وإذا كان المطلوب من الاتحاد الأوروبي هو مشاركة أكبر، فإن الإحساس السائد هو أن تركيا يجري استبعادها.
على أنه لا بد من النظر إلى المستقبل، لأن التحديات الرئيسية المقبلة لا يمكن أن يواجهها الاتحاد أو تركيا بمفردهما. وفي حين تمكن الاتحاد الأوروبي من التغلب على الأزمات في الماضي، فإن هذا لم يعد ممكنا في عالم اليوم المعقد، حيث التحديات متعددة الأوجه وتنشأ عموما خارج حدود الاتحاد.
أثبتت تركيا دورها الحاسم كشريك لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب والحركات المتطرفة، وفي أزمة اللاجئين. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يشهد مناقشات مكثفة وشديدة التوتر حول كيفية توزيع عبء اللاجئين، ما يستدعي في النهاية اللجوء إلى أحكام القضاء، فيمكن القول بكل فخر أن تركيا استضافت أكثر من ثلاثة ملايين شخص لسنوات دون أي توتر كبير في داخل البلاد.
وعلاوة على ذلك، فإن نضال تركيا ضد جميع أشكال المنظمات الإرهابية لم يسهم في الاستقرار في المنطقة فحسب، بل في حماية حدود الاتحاد الأوروبي أيضا. غير أنه فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، هناك حاجة إلى اتباع نهج أقوى في سياسات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
في هذه الحقبة أيضا تلقى حجج السياسيين الشعبويين اليمينيين المتطرفين قبولا. وقد حدثت زيادة كبيرة في عدد الهجمات على أتباع المعتقدات والأديان المختلفة. ولذلك، فإن مكافحة الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب وسياسة الكراهية خطوة أساسية ليس فقط بالنسبة للاتحاد الأوروبي ولكن أيضا للعالم بأسره.
وفي ضوء ما تقدم، حان الوقت لكي يعود الجميع إلى الوراء والتفكير في إعادة إعمار أوروبا. ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى شعور متجدد بالحماس والمصداقية وبداية جديدة. ومن الواضح أيضا أن مثل هذه البداية سوف تتطلب موقفا أكثر جرأة بشأن تركيا، التي تبدي استعدادا أكبر للمساهمة في هذا المشروع، حيث إن مستقبل الاتحاد الأوروبي هو مستقبلها أيضا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس