على الصاوي - خاص ترك برس
"أنا ألماني عندما نفوز، لكني مهاجر عندما نخسر"، بتلك الجملة ختم اللاعب الألماني ذو الأصول التركية "مسعود أوزيل" بيانه الذي أعلن فيه اعتزاله اللعب دولياً، إثر هجمات حادة شنّتها وسائل الإعلام الألمانية على اللاعب بعد ظهوره بجوار الرئيس أردوغان قبل كأس العالم، محمّلة إياه خسارة الفريق وخروجه من الدور الأول، في صورة فاضحة تستدعي حقبة زمنية سوداء كانت ألمانيا وقتها مضرب المثل في العنصرية ورفض التعايش مع الآخر.
عندما أراد هتلر اجتياح أوروبا لم يجد غير العنصرية كأداة فعالة تساعده في حشد الجماهير خلف مشروعه التوسعي، فبدأت الحملات الإعلامية تُعلي وتضخم من العرق "الآري" كأفضل الأعراق وأحقها بحكم أوروبا بل والعالم بأسره، وبالفعل تمّ له ما أراد وسار الشعب خلف قائده المُلهم بعد أن صدّق كل كذباته التى لم يكن وراءها هدفٌ إلا استثارة العواطف والتأييد الشعبي، وما زالت تلك العنصرية تُلقى علينا بظلالها مع كل حدث جديد نسمع عنه أو نقرؤه في المجتمع الألماني، فما حدث لمسعود أوزيل يمثل نسبة بسيطة من وقائع كثيرة، يتعرض لها الكثير من المهاجرين ومن ليسوا من أصول أوروبية.
خرج أوزيل ليخبر الجماهير بما حدث بالتفصيل، واقفا أمامهم موقف المتهم الذي كل ذنبه أنه شخص يفتخر بجذوره وأصله التركي، بعد الهجوم الذي ناله من كثير من السياسين واتحاد الكرة الألماني الذي يتجسد فيه نص الحديث النبوي القائل: "وإذا خاصم فجر" بعد أن نسوا كل ما قدمه اللاعب من عطاء للمنتخب الألماني، وهذا ما دلل عليه المدير الفني لنادي بايرن ميونيخ "أولي هونيس" عندما سمع باعتزاله دولياً، فقال: "أنا سعيد بأن الرعب قد انتهى، لقد لعب لسنوات بشكل أحمق، وآخر مبارزة ثنائية فاز فيها تعود لما قبل كأس 2014، والآن يُخفي نفسه وأداءه الرديء وراء هذه الصورة مع أردوغان".
يا لها من ازدواجية حمقاء تلك التي يتعامل بها الغرب مع خصومه السياسيين، حتى لو كانت على حساب من رسموا البهجة يوما على وجه شعوبهم، مبينة حالة التناقض التى طالما عُرف بها الغرب قديما، حتى وإن أخفاها وراء شعارات ومسميات حديثة لتحسين صورته الذهنية لدى الشعوب.
قال مسعود أوزيل في وصف ما حدث له قائلاً: "من خلال تلك الأزمة عرفت عدوي من صديقي، فالجميع تخلى عني حتى شركات الدعاية التي كانت متحمسة لإجراء التعاقدات معي بشأن بعض حملاتهم الإعلانية، وهناك من كان يشارك معي في بعض النشاطات الخيرية وسرعان ما فض هذا التعاون مجرد بدء الحملة، فماذا فعلت ليحدث معي كل هذا؟ إن جذور عائلتي من تركيا، لدي قلبان أحدهما تركي والآخر ألماني، خلال طفولتي علمتني والدتي أن أكون محترماً ولا أنسى أبدا من أين أتيت، وما زالت تلك القيم هي التي أفكر فيها إلى يومنا هذا، إن الصورة التي أخذتها ليست لها نوايا سياسية، لم تربني أمي أن أغفل عن سلالتي وتراثها وتقاليد عائلتي، كانت الصورة مع الرئيس أردوغان لا تتعلق بالسياسة أو الانتخابات، بل تتعلق باحترام أعلى منصب في بلد عائلتي، بالنسبة لي لم يكن الأمر متعلقًا بمن هو الرئيس بقدر ما كان متعلقًا باحترام جذور أجدادي الذين يفخرون بما أنا فيه اليوم".
إن قرار مسعود أوزيل اعتزاله اللعب دولياً لهو هدفٌ قاتلٌ في مرمى العنصرية، بل إنه أعظم هدف أحرزه في مسيرة حياته لأنه كشف وجه الغرب الحقيقي ذا الملامح المشوهة والعقد التاريخية تجاه كل غريب عن بلاده، لذلك أثنى على هذا القرار ورحب به العديد من المسؤولين الأتراك، لأنه يؤكد أن الغرب لم ولن يكن يوما صديقا لتركيا فأعداء التاريخ لا يمكن أن تجمع بينهم صداقة في الحاضر ولا تعاون في المستقبل، وإن حدث فلن تتعدى كونها مصالح عابرة ومجاملات فاترة، ويبقى ما في القلب في القلب، وفي هذا المعنى قال المتنبي قديما:
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ .... أنْ يَرَى عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس