د. باسل الحاج جاسم - الحياة
صحيح أن مسار محادثات أستانة السوري، بين تركيا وروسيا وإيران، تعرض لهزات عدة خلال الأشهر الأخيرة الماضية، إلا أنه صمد بسبب حاجة مشتركة ثلاثية، تقاطعت في أكثر من جانب مع حاجة سورية- سورية (نظام وفصائل عسكرية معارضة) في شق منها لوقف التمدد الانفصالي الاستيطاني الذي تدعمه واشنطن تحت غطاء محاربة «داعش».
ولم يعد خافياً أن مخطط واشنطن، قبل أشهر، تشكيل قوة مسلحة تحت مسمى «حرس حدود» (تراجعت إعلاميا عنه لاحقاً)، قد وحد مواقف روسيا، تركيا، ايران ودمشق ضد هذا المشروع.
فقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أواخر العام الماضي أنها تعمل مع قوات سورية الديموقراطية، والتي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، على تشكيل قوة حدودية جديدة قوامها 30 ألف مقاتل للانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالاً والعراق باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات.
من خلال التفاهم بين أنقرة و موسكو، أتاحت روسيا لتركيا المجال لاستخدام القوة في الحالات التي تحتاجها انقرة داخل سورية، كما أن ذلك قلل الى حد كبير، وربما أبعد استخدام موسكو ورقة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا داخل سورية، إضافة إلى ما شهدناه قبل أشهر من دعم روسي من أجل استكمال تركيا نشر نقاط المراقبة حول ادلب، وبقية المناطق، وفق اتفاقات أستانة، ولا يمكن إغفال حقيقة ان تفاهمات أنقرة – موسكو، تحد من تصرف الولايات المتحدة إلى حد ما، كما تشاء في الكثير من المناطق السورية.
وعلى رغم أن هناك مصالح مشتركة بين تركيا وإيران، أبرزها التعاون التكتيكي القصير الأجل ضد المجموعات الانفصالية، إلا أنهما تختلفان في شأن الحل النهائي في سورية، إذ تنظر إيران إلى نظام الأسد بوصفه جزءاً لا يتجزأ من إستراتيجيتها لزيادة نفوذها، بينما ترى تركيا إيران منافساً حقق توسعاً إستراتيجياً إضافياً في الأشهر الأخيرة وتتعين إعادته إلى حجمه، كما أن إيران ربطت أطماعها أكثر بروسيا اللاعب الأكبر الآخر في المنطقة، وتوفر التفاهمات مع طهران لتركيا ترميم علاقتها مع الحـكومة المركزية في العراق.
إلا أن المشهد السوري اليوم يمر بمرحلة مختلفة تماماً، بعد السيناريو الذي شهده الجنوب السوري وتوجه الأنظار نحو آخر مناطق خفض التصعيد المتبقية في الشمال، ومحافظة إدلب على وجه الخصوص، ما جعل التعاون الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران في صيغة محادثات أستانة على المحك، وإدلب ستكون بمثابة اختبار لذلك التعاون.
والواضح أن أنقرة استشعرت الخطر الذي يحيق بإدلب وبعض مناطق الشمال، واتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل ايام بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وإشارته إلى أن تقدُّم قوات النظام السوري نحو الشمال، في شكل مماثل لما حصل في الجنوب، يعني تدمير جوهر اتفاق «أستانة»، لم يكن سوى خطوة استباقية في ظل التركيز الإعلامي الكبير على مصير الشمال السوري، وعلى ضوء التقارير التي تعلن محافظة ادلب وجهة عسكرية مقبلة.
ويعزز الاعتقاد بأن ادلب باتت في مرمى النيران، هو ما تم تنفيذه سابقاً بدعم روسيا من شن عمليات عسكرية انتهت بالسيطرة على حلب مروراً بالغوطة الشرقية، وصولاً إلى الجنوب السوري بعد أن عقدت تفاهمات مع الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل انتهت بوصول قوات النظام إلى الحدود الجنوبية السورية للمرة الأولى منذ ستة أعوام.
وأشارت وسائل اعلام تركية إلى أن أردوغان أصرّ خلال حديثه مع بوتين، على عدم حدوث تطورات سلبية في إدلب، وذلك لإقناع المعارضة السورية بحضور اجتماعات «أستانة» المقررة في 30 و31 الشهر الجاري».
وذهبت صحيفة «يني شفق» التركية إلى اعتبار أن إدلب سوف تشكل أول امتحان جديّ للعلاقات التركية الروسية، وبوتين أمام خيار صعب، إما أن يستجيب للرئيس أردوغان فيمنع النظام والإيرانيين من مهاجمة إدلب، وهذا لا يوافق توجُّهاته بالحسم العسكري، وتصفية المعارضة السورية عسكرياً، أو يذهب إلى نهاية المطاف مع طهران، بإعادة إنتاج نظام الأسد وفرضه بالقوة، بعد أن فشل في مقايضته مع الأميركان.
وكشفت الصحيفة التركية عن أن إيران تتبع في سورية الإستراتيجية نفسها التي اتبعتها في العراق، من حيث تهجير السكان إلى منطقة واحدة وإبعادهم من محيط العاصمة، ثم تشويه صورتهم ووَصْمهم بالإرهاب تمهيداً لشنّ عملية عسكرية تودي بحياة الآلاف.
يبقى القول انه لا يمكن تجاهل حقيقة أن أكثر من سيناريو ينتظر إدلب والمعارضة التي حشرت فيها، قد يكون بينها الحل العسكري في حال لم تتمكن تركيا خلال فترة زمنية باتت قصيرة، من التعامل في شكل ناعم وسريع مع المنظمات الموجودة هناك والمصنفة على قوائم الإرهاب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس