ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
كانت إدلب منذ أن عرفت الثورة السورية طريق الباصات الخضر هي الملاذ الآمن للأحرار من المدنيين الذين لم يرضوا لنفسهم إلا الكرامة والعيش في شظف على أن يعيشوا في كنف النظام السوري الطائفي المذل.
تحمل إدلب الآن على ترابها ما يزيد عن الثلاثة ملايين من أحرار سوريا، وهو ما يشكل عبئا على كل حال على المحافظة التي تعتمد على الذات في تدبير احتياجات سكانها.
وإن كنت أرى، من أول لحظة، أن خطة تهجير المدنيين إلى إدلب كانت مرتبة من قبل النظام وحليفه الروسي من أجل المعركة الكبرى للإجهاز على الثورة، وها هي الآن نظرتي للأمر تتأكد، فمنذ تهجير أول دفعة من المدنيين إلى المحافظة، رأيت أن النظام يمهد إلى المعركة الفاصلة، ويريد أن يزيد أعباء المحافظة المحررة حتى يثبت فشل المعارضة في إدارة الدولة، مما يفقدها - أي المعارضة - حاضنتها الشعبية المؤمنة بالتغيير.
فبعد أن استطاع النظام بوحشيته وبورقة المدنيين الضغط على المعارضة وتفريغ مدن كثيرة محررة، أخذه طمعه لأن يرتب لهجوم شامل على إدلب مستلهما أحداث حلب والغوطة واليرموك وأخيرا درعا، وعينه في ذلك على مفاوضات الحل النهائي الذي تسعى إليه الأمم المتحدة والغرب لكي يجلس على طاولة المفاوضات وهو مليء فيفرض شروط أسياده كما يشاء ويضمن لنفسه خروج آمن رغم المجازر والتعذيب والتشريد.
وعلى الرغم من أن إدلب مشمولة باتفاق خفض التصعيد والمضمون بحماية تركية - إيرانية - روسية، إلا أن الأخيرين اثبتوا أنهم لا أيمان لهما وليست درعا عن ذلك ببعيد.
والآن وبعد الأنباء التي تواترت عن حشد النظام لقواته لمحاصرة إدلب استعدادا للهجوم عليها، في ظل تصريحات الأسد بأن إدلب باتت أولوية لميليشياته، وهو ما يعني أن أزمة ما تلوح في الأفق.
وبعيدا عن الأزمة التي يمكن أن يلحقها الهجوم على إدلب بالثورة السورية، فإن أزمة كبيرة ستحل بتركيا جراء هذا الهجوم، فتركيا التي تستضيف ثلاثة ملايين ونصف المليون من أهالي سوريا لا يمكن أن تتحمل ثلاثة ملايين أخريين في حال نفذ الأسد وحلفاؤه هجومهم على إدلب.
تركيا التي لها تواجد عسكري مشهود في إدلب قد لا تسمح بإنفاذ هذا الهجوم المحتمل على الرغم من ظهور بوادره بتنفيذ النظام اغتيالات للقادة العسكريين في صفوف المعارضة خلال الأسابيع الماضية، وهو ما استشعرته القيادة التركية ودفعها لتضمين البيان الصحفي الأسبوعي للجيش التركي فقرة مخصوصة عن إدلب، أكد فيه البقاء في إدلب لحين تحقيق الاستقرار والأمن وحل الخلافات بالطرق السلمية وتهيئة الأجواء لعودة الأهالي لمنازلهم، مؤكدا على أن نقاط المراقبة مستمرة بالقيام بالمهام الموكلة لها وفق اتفاق أستانة.
بيان الجيش التركي هو رسالة مباشرة للنظام بأن قواته الباقية والموكل إليها حفظ الأمن لن تسمح بالهجوم المأمول على المحافظة، وهو ما يعني أن مواجهة ما قد تحدث إذا أقدم النظام على هذا الهجوم، لكن المعروف أن النظام لا يخطو خطوة إلا بمراجعة سيده الإيراني ومباركة سيده الروسي، وهنا يطرح السؤال: هل ستسمح إيران وروسيا بمواجهة مباشرة مع تركيا في إدلب، وهل ستشارك قواتهما في هذه المواجهة؟
إن موقف تركيا لا تحسد عليه، فبوادر الأزمة المتزايدة مع الولايات المتحدة، التي ستدفع بكل قوة نحو مواجهة مباشرة بين تركيا والنظام، مستفيدة من محاولة الإيقاع بين تركيا وروسيا الصديق المقرب هذه الأيام لتركيا، وبين إيران وتركيا التي رفضت الأخيرة تطبيق العقوبات الأمريكية عليها، وهو يجعل موقف تركيا حساسا لدرجة أنها يجب التوقف كثيرا عند اتخاذها قرارا ما في هذا الشأن، إلا أن تركيا في نفس الوقت لا يمكن أن تسمح بسقوط إدلب، على ما اعتقد، وهو ما يضع أصدقائها من الروس والإيرانيين في اختبار ثقة وتفاضل بين المصالح الإستراتيجية، فمن ناحية ترغب روسيا وإيران في تمكين الأسد حليفهم الراضي بتنفيذ كل طلباتهم بعد تسليمهم البلد، أو تركيا التي تربطهم بها علاقات اقتصادية وفي بعض الأحيان إستراتيجية.
ليبقى السؤال الذي لا يمكن أن يجيب عليه إلا الفاعلين في الملف السوري والمخططين لمقدراته، هل الغرب، الراغب في الإيقاع بالقيادة السياسية التركية، يستطيع أن يحفر بأيادي روسيا وإيران فخا لتركيا في إدلب، وكيف يمكن أن لتركيا أن تخرج من هذا الفخ؟
رد القيادة السياسية جاء مباشرة من خلال دعوة الرئيس أردوغان لقادة كل من روسيا وألمانيا وفرنسا، وهو ما يعني أن القيادة التركية تسعى من خلال سياسة مواجهة المخاطر بشكل مباشر لوضع أطراف الفخ المحتملين عند حد المراوغة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس