خاص ترك برس
يقول الرئيس الأمريكي السابق جفرسون "إن الصديق الذي يهينك هو أشد الأعداء شراسة" ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنس تصريحات الرئيس أردوغان تجاه سياستها في بعض الملفات والقضايا الإقليمية التى وإن كان ظاهرها دبلوماسية لكنها تحمل في طياتها نقد حاد ورفض لسياساتها في المنطقة.
تشهد العلاقات الثنائية بين البلدين توترًا بلغ أشده، فمنذ حادث الانقلاب العسكري الفاشل والعلاقة بينهم في تصدع دائم وتصعيد مستمر، حتى قررت أمريكا أن تفرض على تركيا عقوبات مضحكة تشمل وزيري العدل والداخلية لعدم الإفراج عن القس الأمريكي المتهم بالتجسس لصالح منظمة غولن، لكن هل هذا هو السبب الحقيقي وراء تلك العقوبات؟ خاصة وأن القس الأمريكي قيد التحقيقات منذ عامين، فلماذا في هذا التوقيت بالذات فرضت أمريكا عقوبات على تركيا.
إن السياسة لا تعرف العواطف ولا تضع الأشخاص في عين الاعتبار، بل المصالح هي المعيار السائد في العلاقات بين الدول، وبناءً على ذلك تتحرك الدول بشتى الوسائل للحفاظ على مصالحها، فحين شعرت أمريكا بخسارة مصالحها في المنطقة بسبب استقلال القرار السياسي التركي بدأت في التحرك بشكل عملي للضغط على تركيا خاصة مع وجود توجه عدائي في الكونجرس الأمريكي تجاه سياسة الرئيس أردوغان وموقفه من قضية القدس وقيادة الحراك الإسلامي الرافض بتهويدها، ومع زيادة الضغط على الرئيس ترامب قرر أن يطبق هذه العقوبات ظناً منه إنها ستجعل تركيا تتراجع عن سياستها التى أغضبت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة بدءاً من رفضها للعقوبات على إيران وإعلانها عدم الالتزام بها إضافة إلى شراء منظومة إس 400 الروسية التى تم الإعلان عنها منذ عام، التى تزعم أمريكا أنها تشكل تهديداً لمنظومة دفاع حلف الناتو، فقضية القس ما هي إلا ذريعة لفرض عقوبات على تركيا وليست هي العامل الرئيسي وراء تلك العقوبات.
تتحرك تركيا في سياستها الخارجية بشكل يرسم ملامح المستقبل في إعادة رسم تحالفاتها من جديد على قاعدة "مصلحتى أولاً" التى جعلت لتركيا شكلاً جديداً ودورًا في كثير من الملفات الإقليمية، خاصةً في سوريا التى حققت فيها كثير من النجاحات السياسية والعسكرية بالتنسيق مع الجانب الروسي، وهذا ما أقلق الولايات المتحدة الأمريكية، فالتقارب الروسي التركي يسحب البساط تدريجياً من تحت الولايات المتحدة من خلال خسارة أهم حليف لها في المنطقة وعضو هام في حلف الناتو، ومن هذه الورقة تلاعب تركيا أمريكا بالتلميح الدائم أن هناك بدائل آخري تصلح لأن تكون شريك سياسى وعسكري في الوقت الحالي بعيداً عن العنجهة الأمريكية التى لم تستوعب حتى الآن التغيرات الجوهرية في السياسة التركية منذ اعتلاء العدالة والتنمية سدّة الحكم، فما زالت تتعامل معها بسياسة التبعيّة التى كانت تتبعها تركيا قديماً، وهذا يعود لضيق الأفق السياسي لصناع القرار الأمريكي.
"من دق دُق" بتلك الكلمات استهل الرئيس أردوغان حديثه حول الأزمة وأمر المسئولين بمعاملة الولايات المتحدة بالمثل وحذر من العقلية الصهيونية الإنجيلية التى تسيطر على متخذي القرار بالبيت الأبيض والكونجرس، معلنًا بذلك رفضه العقوبات وعدم الرضوخ لأى تهديدات محتملة في المستقبل.
إن العلاقات الخارجية بين الدول ضرورية لكن لابد أن تكون قائمة على الاحترام والتكافؤ وعدم التدخل في السياسات الداخلية، بل إن البعض يعتبرها معيارا لقياس مناعة الدول وقوتها، لذلك غيّرت تركيا فلسفة التعامل في علاقاتها الخارجية في الفترة الأخيرة تحت شعار " تصادق مع الذئاب وليكن فأسك مستعد" وهذا ما يتسق مع ميلاد تركيا الجديدة التى تصنع مستقبلها بيدها وتحدد مسار سياستها بما يتفق مع رؤيتها ومصالحها في المنطقة، لذلك على أمريكا أن تفهم أن هناك دول ما زالت تنبض في سياستها روح السيادة والاستقلال، فالعالم ليس البلاد العربية فقط.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس