علي الصاوي - خاص ترك برس
" إذا أراد الله نفاذ قضائه وقدره... أذهب من ذوي العقول عقولهم" بتلك الكلمات أرى خطوات التصعيد الأمريكية تجاه تركيا، وشن حرب معلنة على الليرة لإضعاف الاقتصاد وزعزعة ثقة الشعب في نظامه أملاً في إسقاطه، لكن كالعادة سوف تبوء المحاولات بالفشل مثلما فشلت من قبل، فاليد المرتجفة لا تقوى عما عجزت عنه اليد الثابته، ومن استطاع أن يخلق من رحم الشدة والمؤامرات دولة تناطح السحاب، يستطيع أن يقطع ما تبقى من رؤوس أينعت حان وقت قطافها.
مع كل حملة تشويه تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تركيا، لا تثمر إلا نتائج عكسية تصبّ في صالحها وصالح قيادتها، بمجرد أن اتضحت المؤامرة على الليرة التركية حتى تفاعل الناس مع الحدث وانتشر هاشتاج "سننتصر" وكان الأكثر تفاعلا على تويتر، معبرا عن حجم التعاطف الكبير مع تركيا في مواجهة الصلافة الأمريكية.
لقد تعوّدت أمريكا وأدمنت الطاعة العمياء لزعماء الدول بما يوافق مصالحها وفرض سياستها في المنطقة، ومن يخالف منهم يكن مصيره القتل أو الانقلاب أو الحرب الاقتصادية حتى يسقط، وهذا ما أكده رجل المخابرات السابق "جون بيركنز" في كتابه - اعترافات قاتل اقتصادي - فقال: "هدفنا هو تحويل قادة البلدان المستهدفة ليصبحوا جزءاً من شبكة واسعة مهيأة لتحقيق المصالح الأمريكية، فنحن لا نؤيّد سوى الأنظمة الشمولية والديكتاتورية والطغاة أينما كانوا، لأنهم يساعدوننا على توسيع رقعة المصالح الأمريكية في كل مكان، ونُطيح بالزعماء الذين جاؤوا بطريقة ديمقراطية إذا رفضوا تحقيق رغباتنا". فما تلك العقوبات والحرب على العملة إلا حلقة من سلسلة طويلة لن تنتهي طالما تسعى تركيا لاستقلال قرارها وصناعة مستقبلها، بعيداً عن مظلة السياسة الأمريكية، ومهما كانت قوة الحملة في بدايتها فإننا لا نستطيع أن نتنبأ بما ستؤول إليه الأحداث، فمن الأمور المستحيلة هي التكهن مسبقاً بمصير المعركة وتوقع ما قد يتخللها من أحداث أو ما قد يظهر فيها من مفاجآت، فهناك تدابير وخطط استراتيجية بدأت تتخذها تركيا بالفعل، فقد صرح الرئيس أردوغان اليوم قائلاً: "نستعد لاستخدام العملات المحلية في تجارتنا مع الصين وروسيا وإيران وأوكرانيا وغيرها من الدول التي نملك التبادل التجاري الأكبر معها، كما أننا مستعدون لتأسيس نفس النظام مع الدول الأوروبية إذا كانت تريد الخروج من قبضة الدولار".
لقد جاء ترامب ليدقّ مسمار النهاية في نعش الإمبراطورية الأمريكية، بسياسات الأحادية التى تجنح بأمريكا إلى عزلة دولية تُعجّل بنهايتها، فهذا الرجل كما وصفه مايكل وولف في كتابه "نار وغضب" أنه "مشكوك في قدراته العقلية وغير جدير بالرئاسة"، لكن اللوبي الصهيوني قام بدعمه في الانتخابات ليكون دمّية بيدهم بعد ذلك، فكان لا بد من اختيار رجل مبتدئ في السياسة أجوف القلب والعقل، عنصري متطرف لا يعرف إلا شيئا واحدا وهو أمن إسرائيل والحفاظ على وضعها الاستراتيجي، ومن يتابع الإعلام العبري يعلم أن المتضرر من صعود تركيا سياسياً واقتصادياً وبقاء أردوغان في الحكم هي إسرائيل، فتركيا بقيادة أردوغان تمثل بالنسبة لها حجر العثرة أمام مخططاتها في المنطقة، وبخاصة فيما يخص القضية الفلسطينية، لذلك قالت الخبيرة في الشئون التركية بجامعة بارا ايلان بتل أبيب "أفرات أفيف": "لم يعد سهلاً إخراج الناس ضد أردوغان إلا إذا لم يبق لديهم خبز ليأكلوه"، وقالت - حسب رأيها - "في ظل الوضع الاقتصادي السيء لتركيا وعدم قدرة أردوغان على عمل شيء، عندها يمكن أن نرى الناس تخرج لإسقاطه، لذلك من الضروري أن تتجند إسرائيل للتحريض ضده في العالم، وحث الاتحاد الأوروبي بعدم جدوى التعاون مع تركيا تحت أي ظرف".
لقد تدحرجت كرة الثلج حتى كبر حجمها وحجبت أي أفق سياسي نحو انفراجة قريبة في الأزمة بين البلدين خاصة بعدما عاد الوفد التركي الذي ذهب إلى واشنطن لحل الأزمة بخفي حنين، دون الإدلاء بأى تصريحات تشير إلى حل الأزمة، ما يعني أن إدارة ترامب ما زالت تتعنت في سياستها تجاه تركيا، وهذا نذير شؤم على العلاقات بين البلدين وقد تكون بداية لفض التعاون في المستقبل.
لقد عودتنا تركيا وشعبها على تجاوز كل التحديات التى مرّت بها بشجاعة ووطنية، وإذا كان معهم الدولار فإن الله معهم وهو الركن الشديد الذي لا يخيب من لجأ إليه، فلا يحيق المكر السيء إلا بأهله، ولله در الرئيس أردوغان حين قال في أحد خطاباته: "لن تتمكنوا من إخفات أصوات مآذننا ولن تستطيعوا تنكيس علمنا، لن نتراجع عن أهدافنا الاقتصادية الكبرى، لن نتراجع عن ضرب التنظيمات الإرهابية، سياستنا في سوريا والعراق مستمرة دون أي تغيير، والآن نجهز لبدء استخدام العملة المحلية في تجارتنا الخارجية، مهما فعلتم فلن توقفونا، فمن صبر ظفر".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس