سيفيل نورييفا – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
أصبحت الأوضاع الاقتصادية والفوضى الاجتماعية التي تواجهها إيران مؤخراً محوراً لانتقادات الرأي العام، إيران دولة إيديولوجية، ولذلك استطاع المجتمع الإيراني مواجهة الحصارات لسنوات طويلة، وكذلك استطاعت الحكومة إدارة هذه المراحل بشكل جيد، لكن اختلفت الظروف في الوقت الراهن، لأن سياسة التوسع التي تنتهجها إيران في الجغرافيا الإسلامية تتطلّب ثمناً باهظاً، ومع استمرار إيران بدفع ثمن هذه السياسة أصبحت سلبيات المسألة تنعكس على الداخل الإيراني على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن تأثيرها على الجغرافيا الإسلامية أيضاً، وذلك بدوره أظهر تأثيراً واضحاً على ظروف ورفاهية معيشة الشعب الإيراني، إضافةً إلى ظهور الاختلافات العرقية والمطالبة بالحرية علانيةً في الشارع الإيراني.
حافظت أمريكا على صمتها تجاه سياسة التوسّع العدوانية التي تنتهجها إيران في المنطقة وخصوصاً في سوريا والعراق لفترة طويلة، لكن مع بداية إدارة ترمب ترك الصمت الأمريكي مكانه للتصريحات والأقوال الحادّة، إذ أصبح التوسع الإيراني في المنطفة يمثّل تهديداً كبيراً بالنسبة إلى الخطة الرئيسة لإسرائيل، ولذلك إن الاعتقاد بأن حدّة موقف أمريكا تتعلّق بترمب وكادره فقط سيكون تحليلاً خاطئاً للمسألة.
كانت أمريكا على دراية تامّة بأن فتح المجال أمام التوسع الإيراني سيخلق مشاكل كبيرة بالنسبة إلى العالم الإسلامي السني، وبالفعل كان ذلك هدف أمريكا من فتح المجال أمام إيران، ويمكننا رؤية نجاح الخطة الأمريكية من خلال النظر إلى مواقف السعودية وإيران في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، أخطأت إيران عندما ظنّت أن المجال الذي فُتح أمامها سيجعلها المُخاطب الوحيد للغرب في العالم الإسلامي، وكان هذا الاعتقاد الدافع الرئيس للأخطاء التي ارتكبتها إيران خلال سياستها في المنطقة، لأن أمريكا كانت تسعى لخلق مشاكل كبيرة في الشرق الأوسط من خلال إثارة الفوضى في إيران، هل يمكن أن تكون غاية أمريكا من الضغط على إيران هي دفع الأخيرة للتخّلي عن سياسة التوسّع؟
من الواضح أن الظروف الاقتصادية الأخيرة تلعب دوراً رئيساً في زيادة المشاكل الموجودة بين المجتمع والحكومة الإيرانية، بتعبير آخر أصبح ارتفاع المستوى المادّي للبعض بشكل ملحوظ، ومواجهة البعض الآخر لمشاكل مادّية كبيرة، مصدراً للتوتر المشهود بين طبقات المجتمع الإيراني.
في سياق آخر أدى رد بعض فئات الشعب الإيراني على تهديدات أمريكا الأخيرة إلى خلق مشاكل جديدة بالنسبة إلى إيران، ويبدو أن سبب ذلك هو إرهاق المجتمع الإيراني من الإديولوجية المبنّية على التهديدات الخارجيّة فقط، والتي بدورها تعيق اتّخاذ خطوات إيجابية في سبيل زيادة رفاهية المجتمع الإيراني.
في الواقع تسعى واشنطن لاستغلال الفوضى المنتشرة في إيران من أجل تأسيس سياسة جديدة في المنطقة، ولا تكترث لحقوق الفئة الشعبية التي ترد على تهديداتها، بل تحوّل ذلك إلى حجج ومبررات لزيادة ضغوطاتها تجاه حكومة طهران، ولذلك تحاول استخدام تأثيرها على الشارع الإيراني من أجل زيادة زخم الفوضى في الداخل الإيراني، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها إدارة ترمب على إيران أيضاً، أي إنّ حكومة ترمب تحاول دفع إيران للتراجع عن سياسة التوسع في الجغرافيا الإسلامية من خلال رفع مستوى التوتر لأقصى درجة ممكنة، هل ستكون مواقف دول الاتحاد الأوروبي وخصوصاً فرنسا وألمانيا كافيةً لموازنة بين أمريكا وإيران؟ وهل ستلعب أوروبا دوراً تاريخياً في منع زيادة زخم الأزمة المذكورة؟
إن معارضة أنقرة للحصار المفروض على إيران وعدم ترجعها عن موقفها يؤكد على أن تركيا تلتزم بأطروحاتها ومبادئها الدولية، ويجدر بالذكر أن الاخيرة لم تتراجع عن مبادئها في إطار العلاقات الدولية بخلاف ما فعلته حكومة طهران، ويبدو أن مواقف فرنسا وألمانيا ستلعب دوراً هاماً في تعزيز الموقف التركي، وبطبيعة الحال إن استمرار الاتحاد الأوروبي في انتهاج سياسته الحالية تجاه إيران هي مسألة هامّة أيضاً، على الرغم من سياسة أمريكا التي تعتمد على الضغط وفرض العقوبات إلا ان زيادة أعداد الدول المعارضة لزيادة التوتر سيلعب دوراً هاماً في تشكيل المرحلة الجديدة، لكن في الوقت الراهن يبدو أن واشنطن لن تتراجع عن سعيها في البحث عن طريقة للوقوف في وجه التوسع الإيراني.
هل ستتراجع طهران عن موقفها؟ هذا السؤال بالتحديد يدفع واشنطن لاستغلال الفوضى المنتشرة في الشارع الإيراني وتحويلها إلى حجج لزيادة التوتر والضغط على حكومة طهران، ويبدو أن أمريكا لن تتراجع عن موقفها إلى أن تجد جواباً واضحاً لهذا السؤال.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس