ترك برس
نشرت مجلة "ستراتيجيك كالتشر" (strategic culture) مقالا للصحفي الأمريكي المتخصص في العلاقات الدولية، مارتن سييف، تساءل فيه: هل تكرر الولايات المتحدة خطأ ونستون تشرشل الفادح مع تركيا قبل مئة عام؟
ويقول الكاتب في مقاله: "في آب/ أغسطس 1914، أمر تشرتشل بصفته أمير البحرية الملكية البريطانية بالاستيلاء على البارجتين "السلطان عثمان الأول والرشادية" اللتين بنيتا لحساب الإمبراطورية العثمانية في بريطانيا. وكان الأتراك قد دفعوا بالفعل أربعة ملايين جنيه إسترليني ثمنا لهما".
وأضاف سييف أن بريطانيا لم تكن بحاجة إلى البارجتين، وكان لديها هامش واسع من التفوق البحري على أسطول أعالي البحار الألماني. لكن هذه الخطوة كانت بمثابة المعادل السياسي والنفسي لإخبار تركيا اليوم بأن الولايات المتحدة لن تبيع أنقرة مقاتلات الجيل الخامس F-35 التي وعدت بها.
كانت تركيا، كما يقول الكاتب، حليفا مخلصا وكبيرا لبريطانيا منذ معركة كالياكري البحرية عام 1791. ولكن بعد الخطأ الذي ارتكبه تشرشل ساد الغضب الشعبي في تركيا التي قررت خوض الحرب، وقطعت طريق الإمداد البحري الأنغلو-فرنسي الحيوي عبر مضيق الدردنيل إلى البحر الأسود وقطعت الطرق عن الإمبراطورية الروسية.
دفع هذا الإجراء تشرشل إلى شن حملة جناق قلعة الكارثية في عام 1915. وقد كلف ذلك البريطانيين والإيرلنديين والأستراليين والنيوزيلنديين الذين حاربوا هناك أكثر من 140.000 ضحية من بينهم 44.000 قتيل. وأقيل تشرشل من الحكومة البريطانية بسبب خداعه، ثم كرس جانبا كبيرا من مذكراته الضخمة المكونة من ستة مجلدات بعد الحرب لمحاولة إلقاء اللوم في إخفاقاته على الجميع.
ويضيف الكاتب أن سياسات واشنطن المتهورة والمسيئة تجاه تركيا تكرر الأخطاء الأحداث المتكررة الكارثية التي تسبب بها تشرشل منذ أكثر من قرن.
واستطرد أنه ليس من الغريب أن يكون المحافظون الجدد والليبراليون الجدد من أشد المعجبين بونستون تشرشل الذ ي دفع بحماقته الإمبراطورية العثمانية التركية إلى الدخول بدون داعٍ في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية.
ويشير إلى أن واشنطن تفعل كل ما في وسعها لضم قوى عالمية ( في سخرية من الكاتب) مثل مقدونيا والجبل الأسود وجورجيا إلى حلف الناتو، لكنها في الوقت نفسه مهووسة بفرض عقوبات مدمرة على تركيا.
وتابع قائلا: "سمح الرئيس باراك أوباما "العاجز والجاهل" بتدهور العلاقات الأمريكية مع تركيا ووصولها إلى أسوأ حالاتها".
وينوه إلى الشكوك السائدة على نطاق واسع بين كبار السياسيين في تركيا من أن المخابرات الأمريكية متورطة في محاولة الانقلاب الساقط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل عامين، وهي المحاولة التي كادت تكلفه حياته.
ويقول إنه في مواجهة مثل هذه الشكوك والتوترات غير المسبوقة في التحالف الأمريكي - التركي، كان ينبغي على الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو والكونغرس الأمريكي القيام بمزيد من العمل لبناء علاقات وتعاون وثقة طويلة الأمد مع تركيا.
لكنه يستدرك أن القادة الأمريكيين لا يفعلون شيئا من ذلك، بل إن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يسعيان بجهل شديد ولامبالاة إلى انتهاز كل فرصة لإهانة تركيا، وتقديم المساعدة للقوى المعادية لتركيا، وهم الآن يسعون بنجاح إلى دعم التعريفات الجمركية الجديدة المدمرة على تركيا.
ويقرر بأن تقييم واشنطن بأن تركيا معزولة دوليا تقييم غير صحيح، فعلى العكس تتمتع أنقرة بعلاقات ممتازة مع روسيا والصين والهند وإيران. والأكثر من ذلك إن سياسات الولايات المتحدة وحلف الناتو تؤدي إلى نتائج عكسية وتعزل فاعليها، وليس الدول التي تستهدفها.
ويشدد الكاتب في ختام مقاله على أنه لا ينبغي الاستهانة بشعور السخط بين الأتراك ،فإذا قرر الرئيس أردوغان أن ينسحب من حلف الناتو لينضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون، واستبعاد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فسيتعين على واشنطن ولندن الانتباه، لأن منطق السياسات والخطب التي تخرج من العواصم الغربية لا يمكن إلا أن تدفع تركيا إلى تلك النتيجة، سعيا وراء أمنها وبقائها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!