حليمة كوكتشة – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
إن فترة تدهور العلاقات التركية-الأمريكية هي فترة استقلال تركيا عن أمريكا في الوقت نفسه، إذ تمت معاقبة تركيا بسبب رفضها الخضوع لأمريكا خلال عملية قبرص أو مسألة زرع الخشخاش، وقد حاولت أمريكا السيطرة على السلطات التركية من خلال الانقلابات وأساليب أخرى مختلفة، ومنذ سنة2013 إلى الآن نلاحظ أن العلاقات الأمريكية-التركية تسير على منوال مرحلة استقلال الأخيرة عن أمريكا بشكل معتدل.
أدركت تركيا أنها وصلت إلى مرحلة لم يعد فيها الاعتدال كافياً للاستقلال عن أمريكا منذ أن بدأ السياسيون الأمريكيون بالضغط على أنقرة من خلال استخدام تنظيم الكيان الموازي في تنفيذ انقلاب عسكري وانتهاج سياسة تأسيس تنظيم إرهابي يتألف من بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية في سوريا، لكن لم تتراجع تركيا وبدأت بالضغط على أمريكا من خلال مكافحة تنظيم الكيان الموازي بشكل مستمر والتصريح بأن تنظيمات وحدات الحماية الشعبية وبي كي كي تنتمي لمركز واحد.
عندما تمكّنت تركيا من التصدّي لمحاولة انقلاب 15 تموز/يوليو التي بادر بها تنظيم الكيان الموازي تلقّت أمريكا صفعةً موجعةً لم تكن تتوقعها من تركيا، وإلى الآن لم نُدرك المعنى الحقيقي للإفشاء عن تنظيم الكيان الموازي وانهياره، في الواقع إن ليلة 15 تموز/يوليو هي ميلاد الاستقلال التركي، إذ استطاعت الأخيرة العودة إلى الساحة من جديد منذ تلك اللية.
أصبحت الأجواء الجوية السورية مغلقة في وجه تركيا بسبب حادثة إسقاط الطائرة الروسية، وأصبح سير الحرب السورية يتقدّم بعكس مصالح المعارضة، وقد أدى توجّه سير الحرب نحو مصالح نظام الأسد ووحدات الشعبية تم إبعاد تركيا عن الساحة السورية.
عقب محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو بدأت تركيا بتنقية مؤسسات الدولة الأمنية من عناصر تنظيم الكيان الموازي، وأعادت تركيزها على سوريا، ومع انهيار تنظيم الكيان الموازي ازدادت قوة تركيا وأصبحت العامل الرئيس للمفاوضات الجارية في خصوص القضية السورية، ونقطة تقاطع جميع القمم الدولية، ويجدر بالذكر أن التطورات التي شهدناها في الشهرين الأخيرين ناتجة عن نجاح مرحلة تنقية الدولة من عناصر تنظيم الكيان الموازي عقب محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو.
يُعتبر لفت انتباه العالم بأكمله لحادثة مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" وإقناع الرأي العام العالمي بأن هذه المسألة تخصّ جميع دول العالم هو نجاح كبير بالنسبة إلى تركيا، ويشير إلى أن الأخيرة تحافظ على نشاطها وتقدّمها، إضافةً إلى أن توقّف أمريكا عن سياسة التهديد والانتقال إلى سياسة "مد يد التعاون" تجاه تركيا هو نجاح بارز في الصدد ذاته.
على سبيل المثال إن رصد أمريكا مكافئة مالية مقابل رؤوس ثلاثة أسماء من الكادر القيادي لتنظيم بي كي كي الإرهابي يمثّل يداً أمريكية ممدودة لتركيا ولكن غير كافية لخداع الأخيرة، وكذلك على الرغم من تكذيب البيت الأبيض للأخبار الصادرة عن الإعلام الأمريكي والمشيرة إلى أن واشنطن ستعيد "فتح الله غولن" لتركيا إلا أنه يمكن قراءة هذه الحادثة في السياق ذاته أيضاً.
إن الجهات التي تزعم أن تركيا اتفقت مع أمريكا في الشرق الأوسط من خلال سياسة "مد يد التعاون" التي تنتهجها واشنطن مخطئة جداً، وإذا تساءلنا عن الجهة التي بدأت تميل لسياسة الأخرى أو اضطرت لذلك فيمكن القول إن أمريكا هي من اضطرت للميل نحو السياسية التركية، أي إن المشاهد التي نشرها عناصر وحدات الشعبية أثناء جلوسهم مع القوات الامريكية لم تعد تحمل أي تأثير، وفي الواقع نحن نُدرك ما هو الهدف من عكس هذه المشاهد على الرأي العام، ونرى سياسة "فليُقتل عناصر بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية بدلاً من مقتل القوات الأمريكية" التي تنتهجها واشنطن، ونلاحظ أن التنظيمات الإرهابية تؤمن بأنها ستحصل على حكمها الذاتي في المنطقة مقابل تعاونها مع أمريكا.
مرت سبعة سنوات على بداية الحرب السورية، وتزامناً مع هذه المدة تغيّرت أشياء عديدة في المنطقة، وأصيبت الجهات التي ظنّت أنها تستطيع تغيير تركيا نحو الأسوأ وبذلت قصار جهدها في هذا السبيل بخيبة أمل كبيرة في النهاية، لأن تركيا دولة كبيرة ولا يمكن دفعها للتراجع نحو الأسوأ مهما حاولوا وفعلوا، ويمكن لعناصر وحدات الحماية الشعبية أن تؤمن بأن أمريكا لم تتخلّى عنها وأن تستمر في نشر مشاهد لها مع القوات الأمريكية، لكن من المؤكد أن تركيا ستحدّد طبيعة المشهد الأخير الذي سيراه العالم بأسره.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس