ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
لم يكن ليعرف العالم عن الاتفاق الذي تم بين ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنقل الأخير تكنولوجيا متطورة تتعلق ببناء مشروع نووي للسعودية لولا أن فتحت لجنة الرقابة والإصلاح بمجلس النواب الأمريكي تحقيقا في الأمر، ذلك الاتفاق الذي كان عرابه جاريد كوشنر صهر ترامب، الاتفاق الذي تم بعد اجتماع بينه وبين ولي العهد بعد شهرين من بدء ولاية ترامب الرئاسية.
وهو ما قد يفسر العلاقة التي بين ترامب وبن سلمان بوساطة محمد بن زايد والتي كان عربونها تكفل السعودية بحفل تنصيب ترامب، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة هما حليفان غير متوافقين في البينة السياسية ، فإحداها أوتوقراطي والأخر ديمقراطي، وهناك الكثير من الاختلافات بينهما لكنهما يتشاركان في أن كل واحدمنهما تملك ما تحتاجه الأخرى، فالمملكة تملك النفط، وأمريكا تملك السلاح والتكنولوجيا، وعلى الرغم من أن من صلاحيات الرئيس في أمريكا، بيع الأسلحة وما يتخللها من تكنولوجيا والتي تدخل فيه التكنولوجيا النووية، حتى وإن كانت للأغراض السلمية، إلا أن النواب الذين فتحوا التحقيق يرون أن الاتفاق، والذي يعد خدمة لمصالح شركات أمريكية داعمة لترامب، يندرج تحت نطاق القانون الجنائي الفيدرالي الذي يحظر بيع تكنولوجيا حساسة إلا بموافقة الكونجرس، وهو ما يفتح باب التكهنات حول الغرض الحقيقي من وراء موافقة ترامب على بيع هذه التكنولوجيا للسعودية.
ترجع السعودية رغبتها في امتلاك تكنولوجيا نووية إلى امتلاك عدوها اللدود إيران لتلك التكنولوجيا، وهو ما يتوافق مع سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة التي اتخذت من إيران عدوا كما اختارت السعودية لمواجهته، لكن امتلاك السعودية لتكنولوجيا نووية يكمن في أن تمتلك السعودية مع الوقت سلاحا نوويا، لاسيما وقد رفضت توقيع اتفاق يلزمها بعدم امتلاك أسلحة نووية، وهو ما يفتح باب الصراع في المنطقة المشتعلة بالأساس، كما أنه يغير موازين القوى الإقليمية مناكفة مع تركيا وهي السياسة التي فتحتها السعودية منذ أن قرر ولي العهد الجلوس تحت أقدام محمد بن زايد لسماع نصائح الإسرائيليين، في ظل توتر العلاقات الأمريكية -التركية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والتي اتهمت تركيا أمريكا بالوقوف ورائها، هذا التوتر الذي زاد بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض.
الصراع الخفي بين تركيا و السعودية على ريادة العالم الإسلامي بات جليا بعد تولية الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، هذا الصراع الذي يزكيه كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الذي اعترض رئيس وزرائه على استحياء على المشروع النووي السعودي، وهو الاعتراض الذي يراه المراقبون موجها للرأي العام لا إلى المشروع.
المواقف المتباينة من سعودية ما بعد 2017 حيث تحركت تحت الجسر مياه كثيرة، تبعد مساحة التوافق التي كانت الإدارة التركية تسعى دوما لخلقها في سبيل صنع واقع جديد في المنطقة تتغير معه توازنات القوة والهيمنة الغربية، وهو النهج الذي اتخذه الحزب الحاكم التركي كإستراتيجية منذ توليه الحكم، بالاتجاه نحو المشرق العربي، حالما في ذلك بتقارب بين السعودية وإيران ونزع فتيل الصراع من أجل تكامل إقليمي تنضم إليه مصر الثورة، خروجا من الهيمنة الغربية، وهو الخيار الذي رفضته السعودية بداية، وتحولت بالكلية عنه في خيارات الحلفاء بعد التقارب غير المسبوق مع الكيان الصهيوني، وهو ما يفسر طريق المناكفات الذي تنتهجه السعودية الآن مع تركيا.
لكن واقع الأمر يؤكد أن هذا الوضع لن يستمر كثيرا، فلا الواقع البنيوي للملكة يمكنها، رغم وجود الأموال، من امتلاك تكنولوجيا نووية، كما أن الواقع الشعبي لن يمكن الأمير من استكمال طريقه في التماهي مع الكيان الصهيوني إضرارا بالمنطقة الإسلامية، كما أن الحراك المتنامي والغليان الذي يموج في الشارع السعودي سيقف حائلا دون هذا المسار، وهو ما يعني أن السعودية ستذهب ولو بعد حين إلى المربع المفروض أن تكون فيه مكملة أضلاع الحلف الرافع لأحلام الأمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس