ترك برس
وصف الكاتب المصري، جمال سلطان، التجربة الديقراطية التركية بأنها نموذج مزعج للديكتاتوريات العربية، كما تمثل إزعاجا كبيرا لعواصم أوروبية كبرى، ترى في تركيا وأردوغان خصما يعادونه أكثر من الدكتاتوريات العسكرية العربية نفسها؛ لأن التجربة التركية يمكن أن تمتد إلى دول أخرى في المنطقة، وتعيد التوازن بين الشرق والغرب.
وتحت عنوان "لماذا يقلق حزب أردوغان من الانتخابات البلدية هذا الشهر؟" تناول سلطان في مقال نشره موقع الشبكة العربية الأهمية التي تمثلها الانتخابات البلدية بالنسبة في الحياة السياسية التركية، واشتعال الحملات الانتحابية قبل أقل من ثلاثة أسابيع على إجرائها.
وللتدليل على أهمية هذه الانتحابات، أشار سلطان إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم أيضا، طلب من بن علي يلدريم أحد أكبر قيادات حزبه أن يتنازل عن منصبه رئيسا للبرلمان لكي يتمكن من النزول كمرشح للحزب على بلدية إسطنبول، العاصمة التجارية والسياحية الأهم.
وأضاف أن جميع الأحزاب والقوى السياسية في تركيا تدرك بوضوح أن الانتخابات البلدية هي المفتاح الحقيقي للسلطة، وهي الممهد السياسي الطبيعي للنجاح في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية بعد ذلك، نظرا لأن البلديات تتماس مع هموم الناس المباشرة، وتفاصيل حياتهم اليومية، من مدارس ومستشفيات وطرق ومواصلات وبنية أساسية بشكل عام وتوفير السلع الأساسية.
ولفت الكاتب إلى أن التنافس في معركة الانتخابات البلدية يتركز على ثلاث بلديات هي إسطنبول وأنقرة وأزمير، وإن كان الاهتمام الأكبر منصب على إسطنبول لأن ميزانيتها البالغة أكثر من 11 مليار دولار سنويا أكبر من ميزانية دول عربية مهمة، كما أنها أكبر من ميزانية أي وزارة في الحكومة التركية. ولذلك فهناك قلق من الحزب الحاكم أن تفلت منه هذه المرة، فرمى فيها بالثقل الأكبر، بن علي يلدريم.
ورأى الكاتب أن حزب العدالة والتنمية ما يزال الأقوى والأكبر والأكثر فرصا للفوز في الانتخابات، نظرا لأنه أنجز بالفعل على أرض الواقع خلال الخمسة عشر عاما الماضية إنجازات مذهلة، في الخدمات العامة والبنية الأساسية والتعليم والصحة وفرص العمل والسكن وجودة الحياة، ويرى المواطن التركي الآن بوضوح كيف أن بلاده أصبحت تضاهي أكثر الدول الأوربية في مستويات النظافة والنظام والنهضة الاقتصادية.
وفي المقابل، فإن مشكلة المعارضة التركية، كما يقول سلطان، أنها تستسهل معارك "الأيديولوجيا" وتقمص دور حماية العلمانية أكثر من المصالح الوطنية ومصالح المواطن، لذلك معظم معاركها مع أردوغان وحزبه لها ظلال أيديولوجية، أما على صعيد المناظرات المتعلقة بالواقع والإنجاز والمصالح فالعدالة يكتسح بسهولة.
ووفقا لسلطان، فإن "مشكلة حزب العدالة والتنمية الحاكم الأهم الآن، هي مشكلة الأحزاب الحاكمة الكبيرة عندما تبقى في السطلة فترات طويلة نسبيا، حيث تجتذب نماذج وشخصيات طفيلية تبحث عن فرص للثراء أو دفء القرب من السلطة، وهو ما يسيء للحزب، وقد عمل أردوغان على فلترة كوادر الحزب القيادية أكثر من مرة في السنوات الماضية لتفادي هذه المشكلة."
وخلص الكاتب إلى أن التجربة التركية مهمة جدا للعالم العربي والعالم الثالث، لأنها تجربة تحاول المزج بين الهوية والحداثة، بين القيم الأساسية للمجتمع الشرقي والقيم الديمقراطية لدولة علمانية تعددية، تلتزم بقواعد الحريات العامة والتداول السلمي للسلطة.
لكنه استدرك أن "الديمقراطية التركية تشوبها أخطاء، ويصعب أن تضعها في مصاف ديمقراطية أكثر عراقة مثل الديمقراطية البريطانية، وإن كان هذا لا يبرر للنخب العربية الانجذاب إلى سطحية التفكير والتقييم، أو تصور أن تركيا دولة قمعية أو ديكتاتورية، أو ممارسة التقويم السياسي وفق قاعدة "كل شيء أو لا شيء"."
وأردف أن الانتقال إلى الديمقراطية ودولة المؤسسات في تركيا تم عبر مسار إصلاحي طويل، وليس عبر ثورات، لذلك تظل تركيا نموذجا مزعجا للغاية للديكتاتوريات العربية ولعواصم أوروبية كبرى، ترى في تركيا وأردوغان خصما يعادونه أكثر من الدكتاتوريات العسكرية العربية نفسها، لأنه تحد حقيقي لأوربا، وتجربة تاريخية رمزية إذا نجحت يمكن أن تتعدى لدول أخرى في المنطقة، وتقطع مسار التبعية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!