علي الصاوي - خاص ترك برس
قد تنتابك الدهشة عزيزي القارئ لعنوان المقالة، وربما يطرق باب عقلك سؤال: "هل كان الحزب الجمهوري موجودًا في تركيا قبل 145 عاما؟"، في الحقيقة نشأ الحزب مع بداية الدولة الأتاتوركية عام 1924 أي قبل 96 عاما.
لكن ما دفعني إلى كتابة هذا العنوان هو ما صرّح به"أكرم إمام أوغلو" مرشح الحزب الجمهوري لبلدية إسطنبول، والذي قد يفوز بالانتخابات وفق النتائج الأولية، عندما قال في فيديو تناقلته وسائل إعلام تركية، إن "نضال الحزب الجمهوري في إسطنبول بدأ منذ 145 عاما من أجل الديمقراطية"، مشيرا بذلك إلى تاريخ خلع السلطاني العثماني عبد العزيز عام 1876 على يد الصدر الأعظم "مدحت باشا" وأنصاره من الوزراء الخونة، ممن هم على شاكلة أعضاء الحزب الجمهوري واضطروه للتنازل عن العرش وتولى السلطان مراد الخامس الحكم من بعده.
وبعد تنازل السلطان عبد العزيز عن العرش، أحضره بعض الجنود العثمانيين بأمر من مدحت باشا، وأخذوه إلى قصر توب كابي، وفي اليوم التالي دخل أربع رجال من الجيش إلى غرفة السلطان عبد العزيز في القصر وقتلوه.
قد يقول قائل فما علاقة الصدر الأعظم بالحزب الجمهوري؟ وهنا يجيب علينا السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته عن حقيقة مدحت باشا والذي كان ملهما لأتاتورك فيما بعد لإسقاط دولة الخلافة، فيقول: "سمعت أن مدحت باشا والكاتب نامق كمال، وهو أول من أدخل الأدب الأوروبي إلى تركيا، والشاعر ضياء باشا كانوا يشربون الخمر كل ليلة في قصر مدحت باشا. و في مرة قال لي مدحت باشا إنه لا خير من الدولة العثمانية ولا بد من إسقاطها، وإعلان الجمهورية في الأراضي العثمانية."
لذلك حاكوا المؤامرات لقتل السلطان العثماني الذي طوّر من قدرات الجيش، وأسس المحكمة المالية العليا والمحكمة الإدارية العليا القضائية في إسطنبول، وأنشأ مجلسا للدولة على غرار النسق الفرنسي باسم"شواري دولت " أي مجلس شورى الدولة، وأصبحت الدولة العثمانية من الدول الأولى في البحرية بالعالم، بعد إصلاح أحواض السفن، بالإضافة إلى عدد من الإنجازات الهامة التي أزعجت الدول الغربية في ذلك الوقت، خشية تمدد نفوذ الدولة العثمانية مرة أخرى.
وما زالت سياسة المؤامرات والخيانة تجري في عروق أحفاد مدحت باشا من أعضاء الحزب الجمهوري، فكلما جاء حاكم تركي بمشروع حضاري تقدمي لا يصطدم مع الهوية التركية ولا يفصلها عن محيطها الإسلامي، ثاروا عليه وأعدموه كما فعلوا بعدنان مندريس، ويريدون أن يفعلوا ذلك بأردوغان أيضا لكنهم ينتظرون الفرصة تتهيأ لذلك.
فعندما حسم الحزب الجمهوري انتخابات أنقرة وأعلنوا تقدمهم بإسطنبول... قال أحد الساسة الكبار بالحزب للصحفي التركي محمد جنبكلي: "الآن بإمكاننا أن نعدم الديكتاتور أردوغان كما فعلنا بمندريس"، وأيضا غرّد الصحفي البارز "فاتح برتقال" على صفحته بتويتر بقوله "سيقوم حزب الشعب الجمهوري بإعاقة عمل الحكومة، وسنجعله يضطر لإجراء انتخابات مبكرة، حال تأكيد فوز حزبنا ببلديتي أنقرة وإسطنبول". هكذا يفكرون، ولا يعرفون من السياسة غير ثقافة الهدم والتبعية الغربية بعيدا عن أي مشروع حضاري يخدم الأمة التركية.
فما أشبه صفحات التاريخ حين تتكرر حوادثه وتُسقط أقنعة المدعين، من يلبسون مسوح الخداع ويتاجرون بالشعارات الوطنية الجوفاء، وهم ليسوا إلا امتدادا لحقبة تاريخية مقيتة شابها العمالة والسقوط في بئر الخيانة.
لم يأت "إمام أوغلو" بجديد لكنه استدعى حقائق تاريخية تزيل اللبس حول ما حدث في الانتخابات، من تزوير وتلاعب بالنتائج لإيقاف قطار التقدم نحو الاستقلالية وبناء أمة لا تعرف طريقا للتبعية والخيانة.
فلطالما كان الحزب الجمهوري الفاشي، حجر عثرة في عودة تركيا إلى حاضنتها الإسلامية، ولم يتوان لحظة في العمل على تغريب القيم التركية، وهدم الإرث العثماني وخلعه من جذوره. فهم لا يجدون حرجا من أن يضعوا أيديهم في يد الغرب ضد مصالح الشعب التركي، بل قد يبلغ بهم الحد إلى ضم إسطنبول مرة أخرى إلى الغرب بدعوى رد الحق إلى أهله، لا سيما وهم أصحاب العبارة الشهيرة "إن الظلم بدأ في الأناضول منذ عام 1453 أي يوم فتح القسطنطينية"، هكذا يرون الفتح الاسلامي على أنه ظلم، والذي لولاه ما كانوا هنا الأن، يؤسسون أحزابا ويمارسون السياسة بحرية وديمقراطية، لم يعرف حزبهم لها طريقًا إلا في عهد العدالة والتنمية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس