عربي 21
نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتب راغب صويلو من أنقرة، يقول فيه إنه في الوقت الذي تمضي فيه القوات الموالية للحكومة السورية في هجومها ضد المناطق التي يسيطر عليها الثوار في الشمال السوري، فإن المسؤولين الأتراك يحاولون إقناع حليفة دمشق، روسيا، بالتوقف عن هذا الهجوم، لكن دون جدوى.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن مصادر تركية، قولها إن أنقرة قلقة من أن علاقتها المحفوفة بالمخاطر مع موسكو تبدو وكأنها بدأت بالتفكك، وأن التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار أصبح بعيد المنال.
ويقول سيولو إنه بسبب قلقها من خسارة الأرض والنفوذ السياسي نتيجة لذلك، فإن تركيا، التي تؤيد المعارضة السورية، قامت الأسبوع الماضي بإرسال شحنات من الأسلحة الثقيلة لفصائل الثوار، بحسب ما قالته مصادر في المعارضة لـ"ميدل إيست آي".
ويذكر الموقع أنه تم نشر مجموعات الثوار التي تدعمها تركيا في أكثر الجبهات اشتعالا؛ في محاولة لإيقاف القوات الحكومة السورية وحلفائها الروس من التغلغل أكثر في محافظة إدلب التي يسيطر عليها الثوار.
ويجد التقرير أن الهجوم يطرح الكثير من الأسئلة الصعبة لتركيا، التي ظنت أنها أغلقت الطريق على خطط رئيس النظام السوري بشار الأسد لمهاجمة آخر معقل للثوار من خلال اتفاقية تم توقيعها في سوتشي مع روسيا في أيلول/ سبتمبر، مشيرا إلى أن قوات الأسد حققت منذ نيسان/ ابريل، تقدما على الأرض في محافظة إدلب في جنوب مدينة حماة وشمالها.
ويشير الكاتب إلى أنه بدلا من منع دمشق من الهجوم، كما نصت اتفاقية سوتشي، فإن روسيا انضمت إلى الحكومة السورية في الهجوم، وشاركت في القصف، الذي أدى إلى نزوح 300 ألف مدني ومقتل العشرات.
ويلفت الموقع إلى أن تبرير موسكو، بحسب ما قاله المسؤولون الأتراك لـ"ميدل ايست آي"، هو فشل أنقرة في تخليص منطقة خط التوتر حول جيب الثوار من المجموعات المتطرفة، مثل هيئة تحرير الشام، التي يقودها الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
وتحدث مسؤول تركي، اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"ميدل ايست آي"، قائلا: "يستخدم الروس وجود هيئة تحرير الشام في إدلب ذريعة للهجوم، ويدعون أن تطبيق الاتفاق بإخراجهم من المنطقة أخذ وقتا طويلا"، وأضاف: "إنهم يعتقدون أن محطات المراقبة التركية توفر شبكة آمنة للمعارضة المسلحة، وساعدتهم على التعافي".
وتابع المسؤول قائلا إن روسيا تحاول الضغط على تركيا على الأرض لتقدم تنازلات في مفاوضات التسوية السياسية في سوريا، التي تعقد من وقت إلى آخر في العاصمة الكازاخستانية الأستانة.
ويورد التقرير نقلا عن الأمم المتحدة، قولها إن هناك حوالي 3 ملايين شخص محاصرون في إدلب وضواحيها، معظمهم نازحون من مناطق أخرى بسبب الصراع، مشيرا إلى أن تركيا تستضيف أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، وأغلقت حدودها أمام المزيد؛ في محاولة منها لمنع تفاقم الأزمة.
وقال المسؤول للموقع: "إنهم يعلمون أن اللاجئين أمر حساس بالنسبة لنا، فلا نريد أن نرى خسائر في الأرواح، ولا نستطيع أن نتحمل أزمة لاجئين جديدة، لكننا لا نزال نحافظ على قنواتنا مع الروس ونستمر في الحوار السياسي معهم".
وينوه سيولو إلى أن المسؤولين الأتراك يعتقدون أن روسيا تتبع الاستراتيجية ذاتها طيلة الوقت، مشيرا إلى أن أنقرة تعتقد بأن موسكو تدفع تركيا إلى الحافة عسكريا لتكون لها اليد العليا في مفاوضات الأستانة، حيث تناقش كل من تركيا وإيران وروسيا تشكيل لجنة لوضع مسودة دستور جديد لسوريا.
وقال المسؤول للموقع: "إن النظام في ظرف سيئ، من ناحية عسكرية واقتصادية، ويخشى من خسارة هذه الفرصة السياسية".
وبحسب الموقع، فإن هناك معاناة من نقص الوقود، وظروف اقتصادية سيئة في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، تسببت بها عقوبات دولية قاسية، ما أغضب وأحبط الكثير من السوريين الذين وقفوا مع الأسد خلال الحرب الأهلية، بالإضافة إلى أن هجوما مضادا من الثوار في شمال حماة كشف عن ضعف قوات الأسد.
ويشير التقرير إلى أن مصادر المعارضة السورية تتفق مع التقدير التركي بأن روسيا تحاول أن تنزع من تركيا بطاقات الضغط في المفاوضات، ومع ذلك فهم لا يعتقدون أن روسيا تبحث ببساطة عن حل سياسي.
وينقل الكاتب عن المتحدث السابق باسم أحرار الشام، لبيب النحاس، قوله: "لم تؤمن روسيا أبدا بالحل السياسي"، وأضاف: "لم يكن الهجوم على إدلب ممكنا العام الماضي بسبب جهوزية المجموعات المسلحة وعدم الرغبة الإيرانية في دعم الهجوم، بالإضافة إلى فشل التسلل الروسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهم يريدون إقناع الناس بالقبول باتفاقيات تنازل، مثل تلك التي تم التوصل إليها في دمشق ودرعا".
وقال النحاس للموقع إن الروس يظنون أنهم بحاجة ملحة إلى اختراق عاجل بسبب توقف المفاوضات السياسية، ومعاناة الحكومة السورية اقتصاديا، وأضاف: "إنهم يرغبون بإلحاق أضرار كبيرة بالمناطق المدنية، ما يتسبب بنزوح المدنيين والضغط عليهم وعلى المجموعات المسلحة للاستسلام".
ويلفت الموقع إلى أنه كان هناك الكثير من التكهنات حول الأسباب الأخرى للاختلاف التركي الروسي في إدلب، فيشير بعض المحللين إلى أن الضغط على شمال سوريا هو جزء من استراتيجية أكبر للقول لأنقرة إنه لا يمكنها التراجع عن شرائها لنظام الدفاع الجوي الروسي أس-400، الذي تسبب بأزمة كبيرة بين تركيا وأمريكا.
ويستدرك التقرير بأن المصادر استبعدت هذه الفكرة، فقال مسؤول تركي: "نظام أس-400 لا علاقة له بهذه القضية.. وأناس آخرون ادعوا بأن الأمر يتعلق بضم (تركيا) لتل رفعت (في شمال سوريا) من خلال التنازل عن أراضي إدلب، وهؤلاء مخطئون".
ويورد سيولو عن مصدر بارز في المعارضة السورية، قوله متحدثا للموقع، بشرط عدم ذكر اسمه، بأن المسؤولين الأتراك يرون إدلب ضرورية لأمنهم القومي، وأضاف: "دون السيطرة على إدلب، سيكون من المستحيل تأمين عفرين والجيوب الحدودية الأخرى التي تسيطر عليها تركيا".
وقال المصدر بأن المسؤولين الأتراك لا يلومون المسؤولين الروس بشكل مباشر في تعليقاتهم المتلفزة، ويلومون الحكومة السورية وحدها؛ لأنهم يريدون إبقاء القنوات مفتوحة مع موسكو.
ويرى الموقع أن أمريكا تبقى مهمة في المعادلة، فقد ساعد تصريح شديد اللهجة من الرئيس دونالد ترامب العام الماضي، ضد الهجوم على إدلب، أنقرة في إقناع روسيا بأن توقع اتفاق سوتشي، إلا أن أمريكا تبدو هذه المرة أقل اهتماما.
وينقل التقرير عن وزارة الخارجية الأمريكية، قولها في بيان لها يوم الثلاثاء: "تستمر أمريكا في قلقها بسبب الغارات الجوية التي يقوم بها النظام والروس في شمال سوريا، يجب توقف العنف، وسنستمر في إبراز الآثار الخطيرة لهذه الأفعال في العلن، ومن خلال القنوات الدبلوماسية".
ويورد الكاتب نقلا عن تقرير لـ"رويترز"، قوله بأن مصادر استخبارات غربية ادعت أن واشنطن سمحت للقوات المعارضة التي تدعمها تركيا بتسلم قذائف مضادة للدروع وفرتها أمريكا وكانت مخزنة، مستدركا بأن المعارضة السورية وتركيا أنكرتا هذه الادعاءات.
وقال مسؤول تركي آخر لـ"ميدل ايست آي"، مشترطا عدم ذكر اسمه: "لقد أعاد الأمريكيون كل شيء إلى أمريكا، ولم يتركوا شيئا خلفهم، أما قذائف (تاو) المستخدمة فقد وزعت قبل عدة سنوات".
وينقل الموقع عن مصدر من المعارضة السورية، قوله بأنه لا حل في إدلب إلا أن بتوقيع روسيا صفقة مع زعيم هيئة تحرير الشام أبي محمد الجولاني، تسمح فيها بالوجود العسكري الروسي في جنوب إدلب، وأضاف المصدر: "وقد يكون الحل الآخر بأن يتفق الروس والأتراك على منطقة إنسانية بالقرب من الحدود، لكن هذا كله مجرد تكهنات".
وينوه التقرير إلى أن آخرين يعتقدون بأن من المبكر التنبؤ بما سيحصل في إدلب، فيقول مدير الأبحاث الاستراتيجية في معهد الفكر المحافظ SETA، حسن بصري يالسين، إن على روسيا أن تفكر في العلاقات الأوسع التي تربطها بتركيا عندما يتعلق الأمر بإدلب، وأضاف يالسين: "لو توصل الروس إلى ما سيفعلونه في إدلب، فربما كان بإمكانهم أخذها منذ فترة طويلة".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى قول يالسين: "إنهم لا يزالون بحاجة للدعم التركي، وفي النهاية فإنهم لا يريدون إلحاق الضرر بالعلاقة التي طوروها مع أنقرة، فهي أكثر أهمية من نواح كثيرة من السيطرة على إدلب".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!