ترك برس
تناول تقرير لشبكة الجزيرة القطرية التحسن الذي شهدته قيمة الليرة التركية في الأيام الأخيرة أمام العملات الأجنبية، ومدى قدرة هذا التحسن على الصمود في ظل الخلاف التركي الأميركي حول شراء صواريخ "إس-400" من روسيا.
وقالت الجزيرة إن الليرة التركية وصلت إلى أعلى مستوى لها أمام الدولار الأميركي منذ أكثر من شهر، مدعومة بمؤشرات سياسية مهمة كان أبرزها التزام أنقرة بوقف استيراد النفط من إيران، وهو ما يعني تجنب عقوبات أميركية كان من المتوقع أن تتسبب في متاعب كبيرة جدا لليرة التركية التي فقدت أكثر من 35% من قيمتها خلال الأشهر الماضية.
وأوضح التقرير أنه خلال الأيام الأخيرة ارتفعت قيمة الليرة التركية نحو 2%، لتزيد قيمتها أمام الدولار على 6.20 ليرات للدولار الواحد، إلى ما دون 5.86 ليرات للدولار.
وأشار إلى أن العملة التركية تظهر حساسية مفرطة تجاه الأزمات الخارجية، إذ سبق أن انتكس سعر صرف الليرة في توترات سابقة تعلقت بأزمة أنقرة مع موسكو على خلفية إسقاط المقاتلات التركية طائرة سوخوي الروسية عام 2014.
ومنذ ذلك الحين، سجل سعر صرف الليرة انهيارات كبيرة في خمس مناسبات، ارتبط أغلبها بالخلاف مع واشنطن في عدد من القضايا أهمها اعتقال القس الأميركي برونسون، والرفض التركي اللافت للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
الباحث الاقتصادي في الشأن التركي محمد عليان، أرجع أسباب تحسن الليرة التركية الملحوظ إلى اتخاذ الحكومة التركية العديد من التدخلات والتدابير المالية والتجارية لدعم استقرار الليرة ووقف تدهورها، بالإضافة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الحكومية لجذب الاستثمار الأجنبي.
وأكد عليان أن التدخل الأقوى كان من طرف البنك المركزي، حيث اتخذ عدة قرارات برفع سعر الفائدة حتى وصلت إلى 24% منذ مطلع العام الحالي، ثم ثبّتها عدة مرات عند المستوى نفسه حتى يومنا هذا.
وقال الباحث الاقتصادي "واصل البنك المركزي تدخله من خلال أدوات السياسة النقدية لدعم الليرة والحفاظ على استقرارها، حيث اتخذ خلال شهر مايو/أيار الماضي قرارا بخفض الاحتياطي الإلزامي من العملة الأجنبية من 40% إلى 30%، وبذلك أتاح للبنوك التصرف بـ10% من احتياطاتها من العملة الأجنبية".
وبحسب البنك المركزي التركي، فإن من المتوقع أن يتم سحب حوالي 7.2 مليارات ليرة من السوق وضخ 2.8 مليار دولار إلى السوق نتيجة لهذا القرار، وبعد هذا القرار تراجعت العملة التركية إلى ما دون ست ليرات للدولار الواحد.
وقد ساهمت المؤشرات الإيجابية للتجارة الخارجية للبلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019 في ارتفاع قيمة العملة المحلية التركية، بحسب عليان.
وقد أظهرت بيانات وزارة الخزانة والمالية التركية أن الواردات انخفضت من قرابة 81.5 مليار دولار من يناير/كانون الثاني إلى نيسان/أبريل 2018 إلى نحو 66.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2019، أي بمعدل تراجع حوالي 19.3% على أساس سنوي.
بينما ارتفعت الصادرات من نحو 55 مليار دولار خلال يناير/كانون الثاني-نيسان/أبريل 2018 إلى زهاء 56.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2019، أي بمعدل نمو 3.1%.
وبناء على ذلك، أدى نمو الصادرات وتراجع الواردات إلى تحسن كبير في عجز الميزان التجاري، من نحو 27.5 مليار دولار خلال يناير/كانون الثاني-نيسان/أبريل 2018 إلى 9.8 مليارات دولار خلال الفترة نفسها من عام 2019، أي بمعدل تراجع 64.4% على أساس سنوي.
وبذلك يتضح أن الصادرات أصبحت تغطي نسبة أكبر من الواردات، حيث كانت النسبة 67.5% خلال يناير/كانون الثاني-نيسان/أبريل 2018 بينما أصبحت 85.3% خلال الفترة نفسها من عام 2019.
من مدينة أزمير التجارية على بحر إيجي، ذكر الباحث الاقتصادي عليان أن الليرة تأثرت إيجابا بتخفيف حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن، عبر التزام أنقرة بوقف استيراد النفط الإيراني تنفيذا لقرار العقوبات الاقتصادية الأميركية على طهران، وحديث وزير الدفاع التركي عن إمكانية تأجيل استلام منظومة "إس 400 الروسية"، فضلا عن إصدار القضاء التركي قرارا بالإفراج عن سيركان غولج، وهو عالم تركي أميركي كان موقوفا في تركيا منذ نحو ثلاث سنوات، وتقديم دونالد ترامب الشكر لأردوغان على ذلك.
لكن الباحث عليان أشار إلى أن أي تغيير أو توتر جديد في العلاقة بين أنقرة وواشنطن سوف يؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد التركي بشكل عام والليرة بشكل خاص، لأن الاقتصاد التركي يعاني من العديد من المشاكل، أهمها: الاختلال الهيكلي، والانكشاف الاقتصادي الكبير لتركيا مع العالم الخارجي، والمديونية الخارجية الكبيرة.
وأكد خبراء اقتصاديون في تركيا أن هناك العديد من العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية لها دور في دعم استقرار وقوة الليرة، وأشاروا إلى أن قوة الليرة تكمن في معالجة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وتخفيض التوتر السياسي مع الغرب وواشنطن إلى أدنى حد ممكن.
وأوضح هؤلاء أن السلوك الدبلوماسي للحكومة التركية لا يقل أهمية عن سلوكها الاقتصادي، لما تتمتع به من أهمية بالغة في المنطقة حيث تعتبر من أهم اللاعبين المؤثرين فيها.
فعلاقتها مع الولايات المتحدة -المتوترة في الفترة الأخيرة- لها أهمية بالغة على الاقتصاد التركي وثقة المستثمر الأجنبي، وفق هؤلاء.
واعتبر الخبراء التعامل بحذر وذكاء مع اللاعبين الأقوى في العالم (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي)، من أهم شروط نجاح السياسة التركية داخليا وخارجيا، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
هكذا يتضح أن العوامل الاقتصادية والسياسية لها دور مهم في استقرار الليرة، فكلما نجحت تركيا في الحفاظ على علاقات سياسية مستقرة وعالجت المشاكل الاقتصادية، أدى ذلك إلى قوة الليرة أمام العملات الأجنبية، بحسب مراقبين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!