ناصر ناصر - خاص ترك برس
تقوم إسرائيل حكومة ومعارضة وأكاديمية وإعلام بتلخيص مشكلتها مع تركيا بشخصية الرئيس رجب طيب أردوغان، فهل السبب هو ميل كثير من الإسرائيليين لملك فرد يحكمهم كما في هتافهم لنتنياهو (بيبي ملك إسرائيل)، أم أنه الخوف الاستراتيجي من قيادة وكارازماتية لا تعرف الخضوع للإملاءات الخارجية، وهو ما تحتاجه أي دولة في مرحلها الحساسة والمفصلية، أم أن الأمر ينبع من قلق لدرجة الرعب من استعادة تركيا لذاتها ومكانتها الحضارية الإسلامية الشرقية المرموقة؟ حيث القول في المنطقة والإقليم هو ما قالته أنقرة وإسطنبول لا ما قررته أمريكا أو ما تراه إسرائيل؟ أم أن السبب هو كل ما ذكر، كما يرى ويعتقد كاتب هذه السطور.
لم يكن اتهام رئيس دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو للرئيس أردوغان بالكذب بعد خطاب الأخير في الأمم المتحدة ضد سياسات إسرائيل اتجاه الفلسطينيين، إضافة لوصف البرفسور تسفي بار ايل في هآرتس (25 أيلول/ سبتمبر 2019) لأردوغان بأنه ديكتاتور أو اعتبار أمير تيفون الكاتب في نفس الصحيفة له حاكم فرد مطلق يلقي الرعب في قلوب منتقديه ويعتقل الصحفيين بكثافة، إلا استمرارًا لنهج إسرائيليّ أصيل لشخصنة المشاكل عبرت عنه الأكاديمية الإسرائيلية بكلمات الباحثة شيرا عفرون والتي اعتبرت أن "لغة أردوغان تعكس معتقداته اللاسامية... لذا فإسرائيل لا ترى في تركيا شريكًا صادقًا في القضايا الحساسة طالما استمر أردوغان في الحكم".
فهل إذا تولى شخصية تركية وطنية من حزب العدالة والتنمية على سبيل المثال الحكم في تركيا فسوف تزول مشكلة إسرائيل؟! وكأن مشكلة إسرائيل لا تنبع من سياساتها كدولة استعمار استيطاني كولونيالي لا تتوقف عن محاولات الهيمنة في المنطقة.
لم يكن لنتنياهو أو لإسرائيل ان تغير ومنذ تموز/ يوليو 2017 من سياستها وتتجرأ في الرد الوقح على انتقادات تركيا لسياساتها اتجاه الفلسطنيين في غزة والضفة والقدس المحتلة، لولا ما تشعر به من ثقة نسبية وعابرة بنفسها، وغير حقيقية بأن علاقاتها مع بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات ودول كقبرص واليونان قد تعوضها عن خسارتها لتركيا ومكانتها الجيوسياسية والجيوستراتيجية المتميزة، وبذا تتجاوز أنقرة كخصم سياسي عنيد يعيق مشاريعها السياسية في المنطقة.
وقد يكون باحث إسرائيلي آخر (عمري إيلات) قد شخصن الأمر بصورة أقل حدة عندما اعتبر أنه طالما لم يتم القضاء على الأسباب الرئيسية للأزمة مع تركيا فستستمر. والأسباب هي: "مشكلة غزة والجمود السياسي مع الفلسطينيين"، ومرة أخرى وبالأساس "شخصية أردوغان".
وكرر ذلك نمرود غورن رئيس المعهد الإسرائيلي للعلاقات الخارجية قائلا: "إن طبيعة شخصية أردوغان والصراع الإسرائيلي الفلسطيني تجعل الوصول لنموذج مقبول من العلاقة الإسرائيلية التركية أمرًا في غاية الصعوبة"، هكذا استمر التركيز على شخصية الرئيس أردوغان.
من الممكن القول إن مشكلة إسرائيل مع تركيا - قيادة وسياسة - هي مؤشر معين على استمرار نجاح النموذج التركي، والذي يجمع ما بين الإسلام والديموقراطية فيما يشمل سياسة خارجية ذات (عمق استراتيجي) أو ما يصفه البعض (بعثمانية جديدة) فغضب إسرائيل هو مؤشر نجاح لا مؤشر فشل كما يحلو - ولكن في سياق آخر - لكتّاب كجنكيز تشاندار وصفه، اعتمادا على جيني وايت أو الباكستاني أحمد رشيد، ونظرًا لمواجهة أردوغانية حازمة لمحاولة انقلابية عسكرية فاشلة في تموز 2016، كادت أن تودي بمستقبل تركيا الزاهر، وترضي بل وتحل مشاكل إسرائيل النفسية والاستراتيجية وغيرها.
من الواضح أن مشكلة إسرائيل تكمن في قيادة تركية قوية استطاعت أن تفجر طاقت الشعب التركي الهائلة، وتنطلق من عمقه الحضاري والثقافي العظيم لتجعل تركيا قادرة على استثمار معطياتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية مما يحولها وبالضرورة إلى قوة كبرى إقليميًا ودوليًا، لا مجرد دولة تسعى لحماية علمانيتها الأتاتوتركية بمفهومها الأضيق أو الانشغال بقمع وكبح الأقليات فيها، أو بوصف الباحث الإسرائيلي أفرايم عينبار (الانحرافات في السياسة الخارجية التركية عن النموذج الغربي... ومن شأن ذلك أن يغير قوى التوازن في الشرق الأوسط لمصالح القوى الإسلامية).
حق لإسرائيل أن تخشى إذن وحق لمشكلتها أن تتفاقم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس