ربيع الحافظ - خاص ترك برس
يحق لنا الاعتقاد أن تركيا ستعيد إعمار المدينة السورية القادمة التي ستدخلها، مثلما يحق لنا الاعتقاد أن إيران ستحرق المدينة العراقية القادمة التي ستدخلها.
ويحق لنا الاعتقاد أن تركيا ستعيد توطين السوريين على أرضهم في مدن تشيدها مثلما يحق لنا الاعتقاد أن إيران ستشرد العراقيين في منطقة تلو الأخرى كما فعلت في جرف الصخر وجلبت الأعاجم من باكستان وأفغانستان لتذيب عروبة العراق في بوتقة العجمة بظنها.
ويحق لنا الاعتقاد أن الجيش التركي سيطرد المليشيات الكردية (وليس الأكراد) من المدن والقرى العربية السورية دون أن يدمرها، مثلما يحق لنا الاعتقاد أن إيران ستدمر ما تبقى من مدن العراق كما فعلت المليشيات التابعة لها في الموصل.
يحق لنا أن نعتقد ذلك ولم تمض سويعات على دخول الجيش التركي الأراضي السورية. الجيش التركي ليس مؤسسة خيرية وهو يقوم بالأساس بحماية دولته لكنه في عملياته السابقة طرد عصابات داعش والمليشيات الكردية دون تدمير للمدن وأعادت الدولة التركية إليها مقومات الحياة في ظرف عام ونصف وفتحت المدارس وقامت بطبع المناهج الدراسية العربية في انقرة وتضخم التعداد السكاني للمناطق المحررة من 350 ألف إلى مليون ونصف بسبب عودة للأهالي.
الجيش التركي يدخل شمال سوريا اليوم وفي جيوب جنرالاته خرائط لمخطط بناء 10 مدن و 140 قرية ومئات المساجد.
نظلم الأتراك إذا قلنا لهم: إنكم استضفتم الشريد واقتسمتم رغيف الخبز معنا واعدتم بناء المدن لأنكم أتراك فقط، وننصفهم إذا قلنا لهم: إن المجتمعات في نشأتها كالأفراد، فمن نشأ في بيت تحلى بأخلاق البيت وهذا ما يجمعنا، ومن نشأ في الشارع بقي أبد الدهر حاقدًا على أبناء البيوت متمنيًا السوء لهم، وهكذا الشعوب حين تنشأ خارج حدود مجتمع الأمة فتتخدها خصما وهذه مشكلة شعوب المنطقة مع إيران.
إصرار إيران (فارس) على هدم المدن وتمزيق المجتمعات مؤشر على نشأتها ونوازعها وعلى أن الصراع في منطقتنا هو صراع نظم أخلاقية (خير وشر) ويتميز كل يوم عن مفاهيم عاطفية جلبتها دولنا المعاصرة وبسببها ذهبت.
الأرض التي سيدخلها الجيش التركي بشراكة أهلنا في سوريا ستصبح ملاصقة للموصل أي أن خط الحدود السياسي سيصبح بمثابة "جدار برلين" الذي كان فاصلًا وهميًا بين كتلتين إحداها حرة والأخرى مخطوفة ثم سقط أمام إرادة الكتلة النخطوفة والتحمت الكتلتان في طوفان جرف القارة.
دخول الجيش التركي في سوريا حدث اجتماعي اكثر منه عسكري وحدث حتمي لأن التحولات الاجتماعية كالمناخية تهب حيث تقلبات الضغط ويدركها المزارع وينثر بذروه استعدادًا لقدومها.
شكك أهلنا في سوريا (عامتهم وخاصتهم) طويلًا في تدخل تركي ولو صدر عن سوريا صوت هادر مطالب بالتدخل لوجدت فيه تركيا ضالتها ولما تعثر ويرونه اليوم رأي العين مخلصًا لهم من ابتلاع منظومة الشر الطائفية وطريقا أوحدا يعيد لمدنهم النظام والقانون، ولو أنهم استعدوا له لتقلصت الأخطاء التي يقع فيها الطرفان.
الموصل مخطوفة ومتعلقة بالوهم (عادت تستعد للانتخابات المحلية) ومتأخرة في إعلان إرادة مستقبلها والمطالبة بتدخل تركي في منطقة ذهبت دولها وتتنافس القوى الخارجية على شكل خرائطها القادمة، وهي متأخرة في الاستفادة من أشقائها في سوريا الذين وصلوا حدودها، والعاقل من اتعظ بغيره.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس