د. جمال نصار - خاص ترك برس
بعيدًا عن دور العسكر منذ الخمسينيات في تجريف الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية في مصر، والمحاولات الحثيثة لعسكرة الحياة المدنية؛ إلا أن الجنرال السيسي فاق كل من سبقه من العسكريين في ذلك، وكان منذ اللحظة الأولى لظهوره في ثورة الخامس والعشرين من يناير، محاولًا إثناء الثوار عن الاستمرار في ثورتهم، وتدبير موقعة الجمل، والسعي بكل الوسائل من خلال منصبه على رأس المخابرات العسكرية، لإيقاف مدّ الثورة المصرية وتحقيق أهدافها.
انقلب على رئيسه أولا
وتأتي بذور التفريط بعد ذلك بتقليبه الرأي العام على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتعويق مؤسسات الدولة أثناء حُكمه، ولم يكتف بذلك بل أعدّ العُدّة للانقلاب العسكري عليه، مستخدمًا بعض الرموز السياسية والشبابية لزعزعة الاستقرار، وتعويق المسار الديمقراطي.
وبعد أن انقلب على رئيسه، وخان الدستور الذي أقسم عليه، فرط في الوطن وسلب مقدراته، وسلّمها لأعدائه في أكثر من موقف، وقام بتقليص دور مصر داخليًا وخارجيًا، ومن معالم هذا التفريط:
أولًا: تدمير الاقتصاد المصري؛ حيث شهدت البلاد عدة قرارات خطيرة في عهد السيسي، يؤكد مختصون أنها عملت على تدهور حياة المصريين، منها قرار تحرير سعر الصرف، الذي تسبب في رفع سعر الدولار من7 سبعة جنيهات إلى 17 جنيهًا، كما خطّت حكومة السيسي خطوات متسارعة في رفع الدعم عن السلع والخدمات؛ استجابةً لشروط صندوق النقد الدولي، وتضاعف دَين مصر الخارجي؛ فعند تسلُّم السيسي الحكم عام 2014، كان الدين الخارجي يبلغ 46.1 مليار دولار، في حين تجاوز بحلول عام 2019، 106 مليار دولار. فضلاً عن ذلك، تخطى الدين الداخلي أربعة تريليونات جنيه مقابل تريليوني جنيه، بلغها في 2014.
ثانيًا: إهدار كرامة الإنسان المصري، وسلب حرياته؛ فقد شهد ملف حقوق الإنسان، انهيارًا كبيرًا خلال فترة حكم السيسي؛ فقد رصدت مؤسسات حقوقية أكثر من 4400 حالة قتل خارج إطار القانون، قُتلوا خلال التظاهرات والاعتصامات، بعضهم قُتل نتيجة التعذيب والإهمال الطبي والتصفية الجسدية، وصدرت أحكام بالإعدام بحق المئات من المعتقلين السياسيين، نُظر بعضها أمام القضاء العسكري، والبعض الآخر أمام دوائر الإرهاب التي شكَّلها السيسي، نُفذت عشرات الأحكام منها، وقُدِّر عدد المعتقلين السياسيين بأكثر من 80 ألف معتقل، في حين يتعرض العشرات من المواطنين شهريًا للإخفاء القسري بمقرات سرية لقوات الأمن الوطني، ومنع كل الآراء المعارضة لسياسات السيسي، وإغلاق مئات المواقع الإلكترونية، وتكميم الأفواه.
ثالثًا: بيع جزيرتي تيران وصنافير؛ حيث نقل السيسي سيادة الجزيرتين من مصر إلى السعودية، بما يُنهي سيطرة مصر المنفردة على المياه الإقليمية في الممر المائي لمضيق تيران، ويجعل هذه المياه أو جزءًا كبيرًا منها مياهًا دولية تسمح بالملاحة الحرة دون تدخل أي طرف، والغريب أن يُقر مجلس النواب، الذي تم اختيار أعضائه برعاية المخابرات، ترسيم الحدود لغير صالح مصر. ويعني أيضًا أن السعودية ستحل طرفًا ثالثًا في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وهذا يعني عمليًا وجود علاقات سعودية مع الجانب الإسرائيلي، مما دفع المملكة في مواقف كثيرة لإظهار التطبيع بشكل مباشر مع الكيان الصهيوني.
رابعًا: حماية الفساد وشرعنته؛ فمنذ هيمنة الجنرال السيسي على الحكم، بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، أصدر مجموعة من التشريعات والقوانين، حيث جمع في يديه سلطتي التنفيذ والتشريع، في غياب أي مجالس نيابية أو برلمانية، وكان من أبرز قراراته وإجراءاته شيئين:
الأول: إصدار قرارات بإنشاء عدد كبير من الحسابات والصناديق الخاصة، من أبرزها صندوق "تحيا مصر"، الذى تجمّعت فيه عشرات المليارات من الجنيهات فى صورة تبرعات من الأشخاص الطبيعيين والأشخاص الاعتباريين، وذلك خارج نطاق المالية العامة.
الثاني: إصدار مراسيم بقوانين تجاوز عددها أربعمائة قرار بقانون، خلال الفترة التي جمع فيها السيسي بين سلطتى التنفيذ والتشريع، وشملت القوانين كافة جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية، مثل قوانين الاستثمار، والخدمة المدنية، والمناقصات والمزايدات، وقانون التصالح مع رموز وقيادات نظام المخلوع حسنى مبارك، وغيرها، بالإضافة إلى الاستيلاء على ملايين من الأفدنة في الحزام الأخضر، وتخصيصه بالأمر المباشر لجهات سيادية، مع التوغل الكبير للقوات المسلحة في الأعمال الاقتصادية الخاصة بالمدنيين.
خامسًا: تضييع حق مصر في نهر النيل؛ فالسيسي هو الذي قام بالتوقيع على وثيقة إعلان سد النهضة في مارس 2015، الذي لم ينص للمرة الأولى على حقوق مصر في مياه نهر النيل، وكان الهدف من وراء هذا التوقيع؛ اكتساب شرعية لوجوده في الاتحاد الأفريقي، على الرغم من أن هذا الاتفاق يهدر حقوق مصر التاريخية في نهر النيل، مما سيؤدي لا محالة إلى دخول مصر في مرحلة الفقر المائي، وتعطيش الشعب المصري، وتبوير ملايين الأفدنة في ربوع مصر. وفي المقابل قام السيسي بعمل العديد من السحّارات لتمرير مياه نهر النيل إلى سيناء، ومن ثمّ توصيلها إلى إسرائيل! وكل المساعي التي يقوم بها السيسي لتدويل المفاوضات، ونقل القضية للأمم المتحدة لن يفيد مصر.
سادسًا: تهجير أهالي سيناء من أراضيهم؛ حيث يتم تهجير سكان سيناء بشكل ممنهج وعلى مراحل، وقد تمّ وضع الخطة لذلك بشكل مسبق منذ تولى السيسي مقاليد الحكم قبل 5 سنوات، وأن كل ما يجرى على أرضها من أجل خلق الذرائع لتنفيذها، حيث صدرت عدة قرارات للتهجير التعسفي منها قرار إنشاء المنطقة العازلة التي امتدت بعمق 5 كيلومترات وبطول 14 كيلومتر بمحاذاة الشريط الحدودي مع غزة، والذي أدّى تطبيقه إلى محو مدينة رفح من الوجود، ثم قرار تحديد حرم مطار العريش بمسافة 5 كيلومتر، ثم توسعة ميناء العريش، وقد أدت كل هذه القرارات إلى مصادرة أملاك الأهالي وتجريف مزارعهم وهدم منازلهم وتهجيرهم قسريًا منها، وقتل المئات من أهلها، مع إتاحة الأجواء للتدخل الإسرائيلي في سيناء بحجة مواجهة الإرهاب.
كل هذه الأعمال التي قام بها السيسي ولا يزال، تدل بما لا يدع مجالًا للشك، أنه ضالع في التفريط بدرجة كبيرة، في وقت وجيز، لم يسبقه حاكم إلى ذلك من قبل، مستخدمًا آلة إعلامية جهنمية، تُروّج وتُزين كل أعماله، وتخدع البسطاء بإنجازات وهمية، وتشيطن المعارضين له، وتصفهم بأقبح الأوصاف.
وعلى ذلك لابد من مواجهته، بكل الوسائل الممكنة، لإنقاذ مصر من تدمير شامل، ولإيقاف نزيف التفريط في المقدرات المصرية لصالح أعدائها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس