عمر الراعي - خاص ترك برس
قد يتساءل بعضنا مستغربا.. كيف يمكن لدولة ما أن تستقبل أكثر من مليوني لاجئ خلال 4 سنوات فقط !! كيف يمكن لدولة ما أن تستقبل خلال 3 أيام فقط من اللاجئين ما استقبلته أوروبا قاطبة خلال 3 سنوات !! كيف يرضى شعب أن تصرف من ميزانيته أكثر من 4.5 مليار دولار على أناس غرباء لا ينتمون إليه!!
نحن يا سادة لا نتحدث عن مشهد خيالي أو فلم من أفلام هوليود، بل نحن أمام قصة واقعة في زمننا الحاضر وسيشهد لها التاريخ مستقبلا..
أبطالها هم الشعب التركي بزعامة السيد رجب طيب أردوغان.
هذا الشعب الكريم يخوض ملحمة إنسانية نادرة تتجلى فيها ملامح القيم الإسلامية النبيلة وأخلاقه الحميدة، استشعر أنين جيرانه فأبى إلا أن يمد لهم يد العون والمساعدة، ففي نظرهم نصرة المظلوم والمحتاج واجب إنساني وديني وأخلاقي.
تلك الدولة لم توصد أبوابها أمام أحد من اللاجئين الهاربين من بطش الحاكم وظلمه.. لم تحرق أملهم.. لم تكسر عزيمتهم.. بل كانت خير مساند لهم فبسطت ذراعيها لكل مظلوم استغاث بها.. تقاسم شعبها خبزهم وماءهم مع ضيوفهم اللاجئين في حين كانت شعوب أخرى ترتاع في ملذات الحياة، وفي حالات أخرى فضلوهم على أنفسهم ضاربين بذلك أروع الأمثلة في نصر المظلومين وإيوائهم.. ومذكريننا بفجر الإسلام الأول عهد "المهاجرين والأنصار".
نحن نتحدث عن شعب آمن بأن الروح الإنسانية هي أغلى وأسمى ما في الحياة، وأن البركة في الرزق هي من الله وحده.. وأنه كلما زاد استنصارهم للمظلومين طرح الله البركة في أموالهم.
هذا الشعب لم يتوانى عن بذل الغالي والنفيس في سبيل نصر المظلومين وإيوائهم.. لأنهم يؤمنون بأن الذي يقرض الله قرضا حسنا حتما سيضاعفه الله له أضعافا كثيرة، فهم بذلك يخوضون تجارة مع الله وحده.. وتلك تجارة لن تبور.. هذه هي ثقتهم بربهم.
بعد تلك المقدمة اتضح جليا أن الأتراك وهبوا أنفسهم لنصرة المظلومين والمستضعفين، وخير شاهد على ذلك هم إخواننا السوريون اللاجئون في تركيا. ولا يخفى على أحد مدى الدور الكبير الذي تلعبه الحكومة التركية في سبيل توفير سبل عيش مناسبة للضيوف السوريين متحدية بذلك عدة عوائق أبرزها العائق المادي..
هناك في تركيا الإنسان حيث مخيمات الضيوف السوريين تتسم بأرقى معايير الجودة والإتقان، إذ تحتوي المخيمات على المرافق الأساسية والتي توفر جزءا من الحياة الكريمة للضيوف السوريين ابتداءً بالمستوصفات ومرورا بالمدارس وانتهاءً بمقاهي الإنترنت، وغيرها العديد من الوسائل المعينة على توفير حياة كريمة للضيوف السوريين.
سأضرب هنا مثالين تبينان مدى اهتمام الحكومة التركية بضيوفها السوريين.. ففي إحدى اللقاءات سُئل أحد الضيوف عن مدى رضى الإخوة السوريّين بالخدمات المقدمة في المخيم فأجاب: "يكفي أنهم لم يُشعرونا بأننا لاجئون لديهم".
فعلا إن الكرامة الإنسانية وعزتها هي أرقى كيان يمتلكه المرء والحفاظ عليها شامخة هي مسؤولية الجميع، لذلك استشعرت الحكومة التركية مدى أهمية هذا الجانب النفسي وتحاول قدر المستطاع الحفاظ عليها من عوامل التأثير، فمثلا أوقفت الحكومة توزيع الطعام في المخيمات واعتاضت عن ذلك بصرف بطاقة "فيزا" لكل فرد في المخيم تحوي مبلغا من المال ويتم شحنها كل أسبوعين.
وكل ذلك حفاظا على كرامة الضيوف السوريين ومراعاة لمشاعرهم حسب ما صرح به رئيس الوزراء السيد داوود أوغلو.
قد تكون لفتة إنسانية بسيطة لكن تأثيرها في النفس كبير جدا.
جانب آخر لم تغفل عنه الحكومة التركية وهو جانب التعليم.. ولأن التعليم أداة أساسية في بناء الأمم وازدهار الحضارات أولت الحكومة التركية عناية فائقة للطلبة السوريين، فقد أصدر السيد أردوغان قرارا يقضي ببناء مدرسة تعليمية في كل مخيم وألا تقل معايير الجودة فيها عن تلك المُتبعة في المدارس المحلية، كما وُظف عدد كبير من المعلمين السوريين تتكفل الحكومة بصرف رواتبهم.
ويعد ولوج الجامعات التركية للطلبة السوريين أسهل بكثير مقارنة بنظرائهم الأتراك، إذ أن 40% فقط من الطلبة الأتراك ينجحون في اجتياز امتحان القبول الجامعي بينما يتم قبول الطلبة السوريين دون امتحانات!!
ومن المسلّم به أن هذه الخدمات المقدمة تحتاج إلى ميزانية ضخمة من خزينة الدولة، ولعل المتابع للشأن التركي قد يستشعر مدى تأثير نفقات الضيوف اللاجئين على مسيرة التنمية الاقتصادية في تركيا، إذ بلغ مجموع النفقات حتى الآن أكثر من 4.5 مليار دولار.
وحينما سُئل السيد داوود أوغلو عن مدى تأثير تلك النفقات على الدولة، وهل هناك احتمال أن تتوقف تركيا عن استقبال الضيوف اللاجئين أجاب قائلا: "كيف نغلق بابنا في وجه الضيف القادم إلينا.. كيف ندير ظهرنا لمن أتانا مستغيثا من كرب ألمّ به ونبقى جالسين مستريحين.. كيف نسأل القادم إلينا إن كان عربيا أو كرديا أو تركيا.. إن حكومتنا لم تنظر أبدا إلى إخواننا السوريين على أنهم عبءٌ علينا.. اعتبرناهم أمانة من عند الله.. تقاسمنا خبزنا وماءنا معهم.. تعاملنا معهم كالمهاجرين والأنصار.. فهم المهاجرون ونحن الأنصار.. وسنظل نستقبل الناس مهما كان وحتى لو تجاوزت النفقات 4.5 مليار دولار".
كلمات تبكي لها القلوب.. كلمات تحمل بين حناياها رسالة الإسلام السمحة وأخلاقه النبيلة، هذه النزعة الإنسانية لدى الأتراك تتجاوز حدود الأعراق والقوميات والأديان، فهي شعور صاف ينبض بالحب والأخوة، ويهتف باللقاء والسلام مع جميع الناس.
ينبغي علينا أن نتعلم من الأتراك فن التعامل السامي مع اللاجئين والمظلومين.. فنحن بتلك المعاملة الإنسانية الراقية نزرع في نفوس المظلومين ابتسامة سرقت منهم، ونطبع على قلوبهم قبلة الحياة والصمود، ونجعل من مشاهد التحدي والصعاب واحة صبر وأمل لفجر مشرق وغد أفضل.
كلمة أخيرة أطمئن بها كل مشكك يتوهم أن عجلة التنمية في تركيا ستتوقف عن الدوران..اطمئن..
تركيا ستتجاوز كل هذه الصعوبات وسترتقي لقمة الاقتصاد العالمي خلال العقود القادمة.. فالله وحده يكافئ من يستنصر للمظلومين.. هذه سنة الله في كونه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس