ترك برس
يرى خبراء ومحللون أن القواسم المشتركة بين تركيا وأوكرانيا تعدت حدود السياسة والاقتصاد والمجتمع معا، مع تنامي حجم التعاون العسكري بينهما، والذي يشكل سببًا آخر لتواصل التوتر بين أنقرة وموسكو، وفق تقرير لشبكة الجزيرة القطرية.
ويقول التقرير إنه على مدار ستة أعوام مضت، توطدت العلاقات الأوكرانية التركية وبلغت مستويات متقدمة في مجالات شتى حسب مراقبين. ولعبت الأزمة الأوكرانية مع الجارة روسيا دورا كبيرا في هذه العلاقات.
وبحسب التقرير، تتربع تركيا حاليا على رأس شركاء أوكرانيا الاقتصاديين بعد إغلاق حدود وأسواق روسيا أمام بضائع كييف، بحجم تجارة بلغ نحو 4.8 مليارات دولار في 2019.
ويتطلع الجانبان إلى أن يبلغ عشرة مليارات مع دخول اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، كما تنتشر في أوكرانيا ستمئة شركة تركية، تعود على الاقتصاد الأوكراني بنحو 2.5 مليار دولار سنويا.
بعد عام 2014، أصبحت تركيا من أبرز الدول استثمارا في أوكرانيا، وشركات الطيران الأوكرانية والتركية تنفذان كل أسبوع أكثر من مئتي رحلة، ونحو 1.5 مليون سائح أوكراني يزورون تركيا سنويا، مستفيدين من إلغاء نظام تأشيرت الدخول بين البلدين.
ولأنها تعتبر القرم جزءا من إرثها التاريخي، وتتار القرم جزءا من مكونها القومي بحكم العرق واللغة، سارعت أنقرة إلى رفض ضم القرم من قبل روسيا في 2014، وأكدت ذلك مرارا وفي كل مناسبة، كان آخرها زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى كييف في 3 فبراير/شباط الماضي.
كما وقفت تركيا في مقدمة الدول المؤيدة لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والداعمة لإصلاحاتها على هذا الطريق.
وكانت زيارة أردوغان الشهر الماضي مؤشرا واضحا على ذلك، فلأول مرة، أعلنت تركيا منح أوكرانيا خمسين مليون دولار "كمساعدات عسكرية صريحة"، وأعلنت قبل ذلك شركة "أسيلسان" للصناعات الدفاعية التركية عزمها فتح مكتب لها في أوكرانيا وباكستان.
وخلال الزيارة، وقع وزير الدفاع الأوكراني مع وزير الخزانة والمالية التركي اتفاقا حكوميا مشتركا حول "التعاون العسكري المالي" بين البلدين، ودار حديث واسع ومعمق حول التعاون في مجال صناعة واستيراد طائرات "أنتونوف 178" العسكرية، و"تحقيق الأمن في منطقة البحر الأسود" التي تنامى فيها نفوذ روسيا بعد ضم القرم.
هذا، إضافة إلى اقتراح تركي بتزويد أوكرانيا بغاز بحر قزوين عبر تركيا وبلغاريا، بما يعزز استقلال سوق الطاقة الأوكرانية، الذي كان ولا يزال أبرز أوراق الضغط الروسي على كييف.
وفي السياق، اعتبر الكاتب الروسي فلاديسلاف هيرمان أن زيارة أردوغان الأخيرة كانت "طعنة في الظهر"، مشيرا إلى التحية التي وجهها إلى حرس الشرف الأوكراني بعبارة "المجد لأوكرانيا"، والتي باتت تثير غضب الروس بعد 2014.
وربط الكاتب مباشرة بين الزيارة والتوترات مع روسيا في سوريا وليبيا معا، معتبرا أن أردوغان سعى في أوكرانيا إلى خلق توازنات تعزز موقفه في مواجهة روسيا.
في المقابل، يعتبر الخبير الأوكراني رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في كييف أوليكساندر بوهومولوف أن "التوجه التركي أكثر اندفاعا وجرأة، لأنه بلغ (أو يجب أن يبلغ كما يقول) حد تشكيل حلف عسكري بحري، يجاري الهيمنة الروسية على منطقة شمال البحر الأسود بعد ضم القرم، ويضمن حرية وأمن مصالح البلدين في المياه الإقليمية، وفي هذا رسالة إلى روسيا أيضا".
ويشير في هذا الخصوص إلى مخاوف تركية أوكرانية من تعاظم النفوذ العسكري الروسي على الحدود الشرقية الجنوبية لأوكرانيا، والشمالية الجنوبية لتركيا.
وفيما يتعلق بالحرب في إدلب، يرى بوهومولوف أن أوكرانيا لم تعد في معزل عنها، وإن أرادت ذلك، لأنها تعتبر روسيا دولة معتدية بحكم الدستور، ولأن تعاونها مع تركيا لا يفسر إلا في هذا الإطار.
ويستشهد الخبير على هذا بالتصعيد الأخير في شرق أوكرانيا، مشيرا إلى أنه جاء دون مبررات، ولكن بالتزامن مع التصعيد في إدلب، مضيفا "الآن اتفق بوتين وأردوغان مجددا حول إدلب، وستتراجع حدة التوتر في أوكرانيا".
وحسب مراقبين، فإن رسائل التصعيد في شرق أوكرانيا موجهة إلى الداخل الأوكراني وتركيا والغرب على حد سواء، ومفادها أن "دعمكم لتركيا في سوريا سيقابل بتصعيد -وربما حرب- في خاصرتكم الإقليمية".
وتعالت أصوات في أوكرانيا تطالب بالحذر، وتعتبر أن وزن تركيا وأوكرانيا ليس قابلا للمقارنة مع روسيا، وإن اشتركتا العداء العلني أو الخفي لها.
يقول الباحث الأوكراني في مركز "المستقبل" للدراسات إيليا كوسا، "ننظر إلى الظروف. تخصص تركيا الأموال لدعم أوكرانيا، لا من أجل مواجهة روسيا، بل لدفع عملية الإنتاج المشترك في المجمع الصناعي العسكري، وهو ما نحتاجه".
واعتبر أن "التعاون في البحر الأسود أولوية في سياستنا الخارجية وتركيا شريكنا الطبيعي فيها"، محذرا من أنه "دون أي تقدم فيما يتعلق ببناء أسطول عسكري قوي، لا يمكننا أن ندعي التعاون على نطاق واسع مع تركيا لحماية حركة الشحن في البحر الأسود، لأنه إذا استولت روسيا على المنطقة كليا، فستكون النتيجة مؤلمة وسيئة".
ويرى كوسا أن أوكرانيا أضعف مع أن تدخل مع تركيا في حلف عسكري يجاري روسيا، وأن التعاون العسكري الاقتصادي أنفع لها في المستقبل القريب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!