(مشهد لقصر طوب قابي بإسطنبول الذي كان مقراً للخلافة العثمانية لأعوام طويلة)
ترك برس
رصدت شبكة الجزيرة القطرية، في تقرير لها، أبرز أسباب سقوط الإمبراطورية العثمانية التي حكمت منطقة جغرافية واسعة، قرابة 600 عام، كانت فيها من أكبر القوى العسكرية والاقتصادية في العالم، حتى أنه وفي عصرها الذهبي في القرن الخامس عشر بسطت سيطرتها على مساحة لم تشمل فقط أراضيها الأساسية في آسيا الصغرى، بل جزءا كبيرا أيضا من جنوب شرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبحسب التقرير، فإن الإمبراطورية استسلمت لما وصفه معظم المؤرخين بالتراجع البطيء والطويل الأمد، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة للتحديث، حيث كان دخولها الحرب العالمية الأولى علامة فارقة في تاريخها.
وبعد خسارة الحرب بسنوات جرى توقيع معاهدة لوزان في سويسرا عام 1923، بين تركيا -وريثة الدولة العثمانية- وبين القوى المنتصرة في الحرب، والتي حددت حدود دولة تركيا الحديثة، وكانت خسارتها الحرب ذريعة للقوى الأوروبية لتقاسم غنائم السلطنة التي كانت تعرف بـ"رجل أوروبا المريض".
وتم تفكيك الإمبراطورية وانتهت دولتها عام 1922، عندما أُسقِط آخر السلاطين العثمانيين محمد السادس، بعد عزله ومغادرته العاصمة العثمانية (إسطنبول) على متن سفينة حربية بريطانية، وقد نشأت الدولة التركية الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المندثرة.
ونقل التقرير عن موقع قناة "التاريخ" (History TV) بعض العوامل المؤثرة في انهيار السلطنة العثمانية بالرغم من أن المؤرخين ليسوا متفقين تماما على أسباب انهيار الإمبراطورية العثمانية المفجع، إلا أن أبرز هذه الأسباب:
الطابع الزراعي
في الوقت الذي اجتاحت فيه الثورة الصناعية أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ظل الاقتصاد العثماني يعتمد على الزراعة.
كانت الإمبراطورية تفتقر إلى المصانع لمواكبة بريطانيا العظمى وفرنسا وحتى روسيا، وفقا لما قاله الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأدنى بجامعة "برينستون" مايكل أي. رينولدز. ونتيجة لذلك، كان النمو الاقتصادي للإمبراطورية ضعيفا، والفائض الزراعي الذي كانت تنتجه الإمبراطورية كان يذهب لسداد قروض الدائنين الأوروبيين.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، لم يكن لدى الإمبراطورية العثمانية الخبرة الصناعية الكافية لإنتاج الأسلحة الثقيلة والذخيرة والحديد والصلب، اللازمة لبناء خطوط السكك الحديدية لدعم المجهود الحربي.
التماسك الداخلي
شملت الإمبراطورية العثمانية في ذروتها بلغاريا ومصر واليونان والمجر والأردن ولبنان وفلسطين ومقدونيا ورومانيا وسوريا وأجزاء من الجزيرة العربية والساحل الشمالي لأفريقيا.
ويقول رينولدز إن التنوع الهائل في العرق واللغة والاقتصاد والجغرافيا، لم يكن يناسب المجتمعات المتجانسة الحديثة.
ودرجت الشعوب المختلفة التي كانت جزءا من الإمبراطورية، على التمرد بشكل مضطرد. وبحلول سبعينيات القرن التاسع عشر، اضطرت الإمبراطورية أن تسمح لبلغاريا ودول أخرى بالاستقلال الذي كان مصحوبا بالتنازل عن المزيد من الأراضي.
وبعد خسارتها حروب البلقان بين عامي 1912 و1913 أمام تحالف ضم بعض ممتلكاتها الإمبراطورية السابقة، اضطر العثمانيون للتخلي عن كل مما تبقى من أراضيهم الأوروبية.
تنافس الإمبراطوريات
كما أوضح مدير مركز الشرق الأوسط في كلية "سانت أنتوني" يوجين روغان، أن طموحات القوى الأوروبية ساعدت في التسريع بزوال الإمبراطورية العثمانية.
وقد سعت كلٌّ من روسيا والنمسا لدعم القوميين المتمردين في البلقان لتعزيز نفوذهما هناك، وكان البريطانيون والفرنسيون حريصين على اقتطاع الأراضي التي تسيطر عليها الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
النزاع مع روسيا
يقول رينولدز "إن روسيا القيصرية المجاورة -التي ضم عالمها المترامي الأطراف المسلمين أيضا- سعت لتصبح منافسا على نحو متزايد. كما شكلت الإمبراطورية الروسية أكبر مصدر تهديد للإمبراطورية العثمانية، وكان تهديدا وجوديا حقيقيا".
وعندما اتخذت الإمبراطوريتان موقفين متعاكسين في الحرب العالمية الأولى، انتهى المطاف بالروس إلى الانهيار أولا جزئيا بسبب أن القوات العثمانية منعت روسيا من الحصول على إمدادات من أوروبا عبر البحر الأسود، كما قاوم القيصر نيكولاس الثاني ووزير خارجيته سيرغي سازانوف فكرة التفاوض على توقيع اتفاقية سلام منفصلة مع الإمبراطورية العثمانية، والتي ربما كانت ستنقذ روسيا القيصرية من الانهيار.
الحرب العالمية
إن الوقوف إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ربما كان السبب الأهم وراء زوال الإمبراطورية العثمانية. قبل الحرب، كانت الإمبراطورية العثمانية قد وقعت معاهدة سرية مع ألمانيا، تبين أنها كانت اختيارا بالغ السوء.
ففي الصراع الذي أعقب ذلك، خاض جيش الإمبراطورية حملة في شبه جزيرة غاليبولي لحماية القسطنطينية من غزو قوات الحلفاء في عامي 1915 و1916.
وفي نهاية المطاف، فقدت الإمبراطورية العثمانية ما يقرب من نصف مليون جندي، معظمهم بسبب المرض، بالإضافة إلى حوالي 3.8 ملايين آخرين أصيبوا في الحرب أو بالمرض.
وفي أكتوبر 1918، وقّع العثمانيون هدنة مع بريطانيا العظمى، وخرجوا من الحرب.
ويجادل بعض المختصين في أنه لولا الخيار المشؤوم في الحرب العالمية الأولى، فإن الإمبراطورية العثمانية ربما وفقت في النجاة وأخذت فرصة للتحديث والتطوير.
ويعتقد المؤرخ في جامعة "كورنيل" مصطفي ميناوي أن الإمبراطورية العثمانية كانت لديها القدرة على التطور إلى دولة فدرالية متعددة الأعراق واللغات.
لكن، بدلا من ذلك -كما يرى ميناوي- أدت الحرب العالمية الأولى إلى تفكك الإمبراطورية، لأن "الإمبراطورية العثمانية انحازت إلى الجانب الخاسر". وأشار إلى أن الحرب عندما انتهت، "قرر المنتصرون تقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية فيما بينهم".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!